193
مكاتيب الأئمة ج5

المَنخَرانِ هُما ثَقبا الأَنفِ ، وَ الأَنفُ يُدخِلُ عَلى المَلِكِ مِمَّا يُحِبُّ مِنَ الرَّوائِحِ الطَّيِّبَةِ ، فَإِذا جاءَ ريحٌ يَسوء أَوحى المَلِكُ إِلى اليَدَينِ فَحَجَبَت بَينَ المَلِكِ وَ بَينَ تِلكَ الرَّوائِحِ .
وَ لِلمَلِكِ مَعَ هذا ثَوابٌ وَ عَذابٌ ، فَعَذابُهُ أَشَدُّ مِن عَذابِ المُلوكِ الظَّاهِرَةِ القاهِرَةِ في الدُّنيا ، وَ ثَوابُهُ أَفضَلُ مِن ثَوابِها ۱ ! فَأَمَّا عَذابُهُ فَالحُزنِ ، وَ أَمّا ثَوابُهُ فَالفَرَحِ ، وَ أَصلُ الحُزنِ في الطِّحالِ ، وَ أَصلُ الفَرَحِ في الثَّربِ ۲ وَ الكُليَتَينِ ، وَ فيهِما ۳ عِرقانِ موصِلانِ إِلى الوَجهِ ، فَمِن هُناكَ يَظهَرُ الفَرَحُ وَ الحُزنُ ، فَتَرى تَباشيرِهِما ۴ في الوَجهِ . وَ هذِهِ العُروقِ كُلُّها طُرُقٌ مِنَ العُمَّالِ إِلى المَلِكِ وَ مِنَ المَلِكِ إِلى العُمَّالِ ، وَ تَصديقُ ۵ ذلِكَ أَنَّه ۶ إِذا تَناوَلتَ الدَّواءَ أَدَّتهُ العُروقُ إِلى مَوضِعِ الدَّاءِ بِإِعانَتِها ۷ .

[عمارة الجسم مثل عمارة الأرض ]

۰.وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ ۸ : إنَّ الجَسَدَ بِمَنزِلَةِ الأَرضِ الطَّيِّبَةِ ، مَتى تُعوهِدَت بِالعِمارَةِ وَ السَّقي مِن حَيثُ لا تَزدادُ مِنَ ۹ الماءِ فَتَغرِق ، وَ لا تُنقَصُ مِنهُ فَتَعطَشَ ، دامَت عِمارَتُها ، وَ كَثُرَ رَيعُها ، وَ زَكا زَرعُها . وَ إِن تَغافَلتَ عَنها فَسَدَت ، و نَبَتَ ۱۰ فيها العُشبُ ۱۱ ، وَ الجَسَدُ بِهذِهِ المَنزِلَةِ .

1.في بحار الأنوار : «ثوابهم» بدل «ثوابها».

2.« الثّرب » غشاء على المعدة والأمعاء ، ذو طبقتين بينهما عروق و شرايين و شحم كثير ، و منشؤه من فم المعدة ، ومنتهاه عند المعاء الخامس المُسمّى بقولون . و سبب كون الفرح منه أنّه بسبب كثرة عروقه و شرايينه يجذب الدّم و رطوبته إلى الكلية ، فيصير سببا لصفاء الدّم و رقّته و لطافته ، فينبسط به الرّوح .

3.في بحار الأنوار : «منهما» بدل «فيهما» .

4.في بحار الأنوار : «علامتهما» بدل «تباشيرهما» .

5.في بحار الأنوار : «مصداق» بدل «تصديق» .

6.زاد في بحار الأنوار : «أنّه».

7.زاد في بحار الأنوار : «بإعانتها».

8.ورد في بعض نسخ المصدر : «أيّها الأمير» بدل «يا أمير المؤمنين» .

9.في بحار الأنوار : «يزداد في» بدل «تزداد من».

10.في بحار الأنوار : «تغوفل عنها فسدت و لم ينبت».

11.العُشب ـ بالضّم ـ : الكلاء الرّطب.


مكاتيب الأئمة ج5
192

لا يُوصَلُ إِليهِ إِلَا بِإِذنٍ ، وَ هُما سُراجاهُ أَيضا .
وَ حِصنُ الجَسَدِ وَ حِرزَهُ الأُذُنانِ ، لا يُدخِلانِ عَلى المَلِكِ إِلَا ما يُوافِقُهُ ؛ لِأَنَّهُما لا يَقدِرانِ أَن يُدخِلا شَيئا حَتَّى يُوحي المَلِكُ إِلَيهِما ۱ ، أَطرَقَ المَلِكُ مُنصِتا لَهُما حَتَّى يَعي مِنهُما ، ثُمَّ يُجيبُ بِما يُريدُ ، نادّا منه ريحَ الفُؤادِ وَ بُخارَ المَعِدَةِ ، وَ مَعونَةُ الشَّفَتَينِ .
وَ لَيسَ لِلشَّفَتَينِ قُوَّةٌ إِلَا بِإِنشاءِ اللِّسانِ ، وَ لَيسَ يَستَغني بَعضُها عَن بَعضٍ ، وَ الكلام لا يُحسَنُ إِلَا بِتَرجيعِهِ فِي الأَنفِ ؛ لِأَنَّ الأَنفَ يُزيِّنُ الكَلامَ كَما يُزيِّنُ النَّافِخُ المِزمارَ ۲ ، وَ كَذلِكَ

1.وحي الملك كناية عن إرادة السّماع وتوجّه النّفس إليه . و إنصاته عبارة عن توجّه النّفس إلى إدراكه و عدم اشتغاله بشيءٍ آخر ليدرك المعاني بالألفاظ الّتي تؤدّيها السّامعة . و ريح الفؤاد هي الهواء الّتي يخرج من القلب إلى الرّئة و القصبة . و بخار المعدة تصل إلى تجاويف الرّئة أو إلى الفم فيعين الكلام ، أو المراد ببخار المعدة الرّوح الّذي يجري من الكبد ـ بعد وصول الغذاء من المعدة إليه ـ إلى آلات النّفس .

2.أي : كما يزيّن النّافخ في المزمار صوته بترديد صوته في الأنف ، و قيل : أي كما يزيّن النّافخ في المزمار صوت المزمار بثقبة تكون خلف المزمار تكون مفتوحةً دائما ، و ذلك لأنّ الهواء يخرج بالعنف من قصبة الرّئة في حال التنّفس ، فإذا وصل إلى الحنجرة حدثت فيه تقطيعات مختلفة لإصاغة الحروف ، فإذا كثرت الأهوية و ازدحمت و لم يخرج بعضها من المنخرين أشكل تقطيع الحروف و لم يتزيّن الصّوت ، كما أنّ الثّقبة الّتي خلف المزمار منفتحة دائما لئلّا تزدحم الأهوية المتموّجة فيها فلا يحسن صوته ، و أيضا يعين الهواء الخارج من المنخرين على بعض الحروف و صفات بعضها كالنّون و أشباهه ، و كلّ ذلك يشاهد فيمن سدّ الزّكام أنفه. وأمّا أنّ أصل الحزن في الطّحال ؛ لأنّه مفرغة للسوداء البارد اليابس الغليظ ، و هي مضادّة للرّوح في صفاتها ، و فرح الرّوح و انبساطه إنّما هو من صفاء الدّم و خلوصه من الكدورات ، فإذا امتزج الدّم بالسّوداء غلظ و كثف و فسد ، و يفسد به الرّوح ، و لذا ترى أصحاب الأمراض السّوداوية دائما في الحزن و الكدورة و الخيالات الباطلة ، و علاجهم تصفية الدّم من السّوداء.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمة ج5
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1387
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 119516
الصفحه من 464
طباعه  ارسل الي