[تدبير الصّحة في الفصول الأربعة ]
۰.ثُمَّ كُل يا أَميرَ المُؤمِنينَ البارِدَ في الصَّيفِ ۱ ، وَ الحارَّ في الشِّتاءِ ، وَ المُعتَدِلَ في الفَصلَينِ عَلى قَدَرِ قُوَّتِكَ وَ شَهوَتِكَ . وَ ابدأ في أَوّلِ ۲ طَعامِكَ بِأَخَفِّ الأَغذيَةِ الَّتي تُغَذِّيَ بِها بَدَنَكَ بِقَدَرِ عادَتِكَ وَ بِحَسَبِ وَطَنِكَ ۳ وَ نَشاطِكَ ، وَ زمانِكَ ۴ ، وَ الّذي يَجبُ أَن يَكونَ أَكلُكَ في كُلِّ يَومٍ عِندَما يَمضي مِنَ النَّهارِ ثَمانِ ساعاتٍ أَكلَةً واحِدَةً ، أَو ثَلاثَ أَكَلاتٍ في يَومَينِ ، تَتَغَذَّى باكِرا في أَوَّلِ يَومٍ ، ثُمَّ تَتَعَشَّى ، فَإِذا كانَ في اليَومِ الثَّاني ، عِندَ مُضيِّ ثَمانِ ساعاتٍ مِنَ النَّهارِ ، أَكَلَتَ أَكلَةً 7واحِدَةً وَ لَم تَحتَج إِلى العِشاءِ .
1.«البارد في الصّيف » يحتمل أن يكون المراد بالبارد ، البارد بالفعل ، كالماء الّذي فيه الجمد و الثّلج ، أو البارد بالقوّة بحسب المزاج ، كالخيار و الخسّ ، و كذا الحارّ يحتملها ؛ و ذلك لأنّه لمّا كان في الصّيف ظاهر البدن حارّا لسبب حرارة الهواء فإذا أكل أو شرب الحارّ بأحد المعنيين اجتمعت الحرارتان فصار سببا لفساد الهضم و كثرة تحليل الرّطوبات ، و كذا أكل البارد و شربه في الشّتاء يصير سببا لاجتماع البرودتين الموجب لقلّة الحرارة الغريزية ، ومنه يظهر علّة رعاية الاعتدال في الفصلين المعتدلين.
2.«و ابدأ في أوّل الطّعام» : هذا إشارة إلى ترتيب بين الأغذية بأنّه إذا أراد أكل غذاءٍ لطيفٍ مع غذاءٍ غليظٍ بأيّهما يبدأ ؟ فحكم عليه السلام بالابتداء باللطيف من الغذاء ، وكذا ذكره بعض الأطبّاء ، فإنّه إذا عكس فيسرع إليه هضم اللّطيف و الغذاء الغليظ بعد و هو في قعر المعدة قد سدّ طريق نفوذ المهضوم إلى الأمعاء ، فيفسد المنهضم و يختلط بالغليظ فيفسده أيضا ، و يصير سببا للتخمة.
3.في بحار الأنوار: «طاقتك» بدل «وطنك».
4.ثمّ شرع عليه السلام في بيان زمان الأكل ومقدار الأزمنة بين الأكلات ، فجعل له طريقين : أحدهما : أن يأكل في كلّ يوم أكلة واحدة عند مضي ثمان ساعات من النّهار ، و الثّاني : أن يأكل في كلّ يومين ثلاث أكلات ، و الاعتياد بهما ـ لا سيّما بالأوّل ـ أعون على الصّوم و على قلّة النّوم ، لكنّهما مخالفان لما ورد من الأخبار في فضل التّغذّي و التّعشّي و فضل مباكرة الغذاء و فضل السّحور في الصّوم ، و غير ذلك من الأخبار.
و يمكن حمله على أنّه عليه السلام علم بحسب حال المخاطب أنّ ذلك أصلح له فأمره بذلك ، فيكون ذلك لمن كانت معدته ضعيفة لا تقدر على الهضم مرّتين في كلّ يوم ، و قد جرّب أن ذلك أصلح التّدابير لأصحاب تلك الحالة ، أو يكون المراد بالغذاء ما يأكله بقدر شهوته من الأغذية الغليظة المعتادة ، فلا ينافي مباكرة الغذاء بشيءٍ قليلٍ خفيفٍ ينهضم في ثمان ساعاتٍ و يمنع من أنصباب الصّفراء في المعدة.
بل يمكن أن يكون ما ذكره عليه السلام من الابتداء بأخفّ الأغذية إشارة إلى ذلك ، فيحصل عند ذلك المباكرة في الغذاء كلّ يوم و التعشّي أيضا ، لأنّ بعد ثمان ساعات يحصل التعشّي بأكثر معانيه.