281
مكاتيب الأئمة ج5

سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ » 1 وقال اللّه عز و جل : « فَوَرَبِّكَ لَنَسْـئلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ » 2 . وبلغنا أنّ عمر بن الخطّاب قال : لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوّفت أن يسألني اللّه عنها ، وايم اللّه إنّ المسؤول عن خاصّة نفسه الموقوف على عمله فيما بينه وبين اللّه ، ليتعرّض على أمرٍ كبير وعلى خطرٍ عظيم ، فكيف بالمسؤول عن رعاية الأُمّة ، وباللّه الثّقة ، وإليه المفزع ، والرّغبة في التّوفيق والعصمة والتّشديد ، والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجّة ، والفوز من اللّه بالرضوان والرّحمة .
وأنظر الاُمّة لنفسه وأنصحهم للّه في دينه وعباده من خلائقه في أرضه ، من عمل بطاعة اللّه وكتابه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله في مدّة أيّامه وبعدها ، وأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده ، وينصبه علما لهم ، ومفزعا في جميع أُلفتهم ، ولمّ شعثهم ، وحقن دمائهم ، والأمن بإذن اللّه من فرقتهم وفساد ذات بينهم واختلافهم ، ورفع نزع الشّيطان وكيده عنهم ، فإنّ اللّه عز و جل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله وعزّه وصلاح أهله ، وألهم خلفائه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النّعمة وشملت فيه العافية ، ونقض اللّه بذلك مكر أهل الشّقاق والعداوة والسّعي في الفرقة والتّربّص للفتنة .
ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة ، فاختبر بشاعة مذاقها وثقل محملها وشدّة مؤنتها وما يجب على من تقلّدها من ارتباط طاعة اللّه ومراقبته فيما حمّله منها ، فأنصب بدنه ، وأشهر عينه ، وأطال فكره فيما فيه عزّ الدّين ، وقمع المشركين ، وصلاح الاُمّة ، ونشر العدل ، وإقامة الكتاب والسّنة ، و منعه ذلك من الخفض والدّعة ومهنؤ العيش ، علما بما اللّه سائله عنه ، و محبّة أن يلقى اللّه مناصحا

1.ص : ۲۶ .

2.الحجر : ۹۲ و ۹۳ .


مكاتيب الأئمة ج5
280

وليّ عهده .
أمّا بعد فإنّ اللّه عز و جل اصطفى الإسلام دينا ، واصطفى له من عباده رسلاً دالّين عليه وهادين إليه ، يبشّر أوّلهم بآخرهم ويصدّق تاليهم ماضيهم ، حتّى انتهت نبوّة اللّه إلى محمّد صلى الله عليه و آله على فترة من الرّسل ودروس من العلم وانقطاع من الوحي واقتراب من السّاعة ، فختم اللّه به النّبيّين وجعله شاهدا لهم ومهيمنا عليهم ، وأنزل عليه كتابه العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد بما أحلّ وحرّم ووعد وأوعد وحذّر وأنذر وأمر به ونهى عنه ؛ لتكون له الحجّة البالغة على خلقه ، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة وإنّ اللّه لسميع عليم ، فبلّغ عن اللّه رسالته ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالّتي هي أحسن ، ثمّ بالجهاد والغلظة حتّى قبضه اللّه إليه ، واختار له ما عنده صلى الله عليه و آله .
فلمّا انقضت النّبوّة ، وختم اللّه بمحمّد صلى الله عليه و آله الوحي والرّسالة جعل قوام الدّين ونظام أمر المسلمين بالخلافة واتمامها وعزّها ، والقيام بحقّ اللّه فيها بالطّاعة الّتي بها يقام فرائض اللّه وحدوده وشرائع الإسلام وسننه ويجاهد بها عدوّه . فعلى خلفاء اللّه طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده ، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حقّ اللّه وعدله وأمن السّبيل وحِقن الدّماء وصلاح ذات البين وجمع الأُلفة ، وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم ، واختلاف ملّتهم ، وقهر دينهم واستعلاء عدوّهم وتفرّق الكلمة وخسران الدّنيا والآخرة .
فحقّ على من استخلفه اللّه في أرضه وائتمنه على خلقه ، أن يجهد للّه نفسه ويؤثر ما فيه رضا اللّه وطاعته ، ويعتد لما اللّه مواقفه عليه ومسائله عنه ، و يحكم بالحقّ ويعمل بالعدل فيما حمّله اللّه وقلّده ، فإنّ اللّه عز و جل يقول لنبيّه داوود عليه السلام : « يَـدَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَـكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمة ج5
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1387
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 119793
الصفحه من 464
طباعه  ارسل الي