إِذهابِهِ الرِّجسَ عَنهُم ، وَتَطهيرِهِ إِيَّاهُم في قَولِهِ : « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا »۱ .
ثُمَّ إِنَّ المَأمونَ بَرَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في عِترَتِهِ ، وَ وَصَلَ أَرحامَ أَهلِ بَيتِهِ ، فَرَدَّ أُلفَتَهُم وَ جَمَعَ فُرقَتَهُم ، وَ رَأَبَ صَدعَهُم ، وَ رَتَقَ فَتقَهُم ، وَ أَذهَبَ بِهِ الضَّغائِنَ ، وَ الإِحَنَ بَينَهُم وَ أسكَنَ التَّناصُرَ وَ التَّواصُلَ وَ المَوَدَّةَ وَ المَحَبَّةَ قُلوبَهُم ، فَأَصبَحَت بيُمنِهِ وَحِفظِهِ وَبَرَكَتِهِ وَبِرِّهِ وَصِلَتِهِ أَيديهِم واحِدَةٌ ، وَكَلِمَتُهم جامِعَةٌ ، وَأَهوائُهُم مُتَّفِقَةٌ .
وَرَعى الحُقوقَ لأَِهلِها ، وَوَضَعَ المَواريثَ مَواضِعَها ، وَكَافَأَ إِحسانَ المُحسِنينَ ، وَحَفَظَ بَلاءَ المُبتَلينَ ، وَقَرَّبَ وَباعَدَ عَلى الدِّينِ ، ثُمَّ اختَصَّ بِالتَّفضيلِ وَالتَّقديمِ وَالتَّشريفِ مَن قَدَّمَتهُ مَساعيهُ ، فَكانَ ذلِكَ ذا الرِّئاسَتَينِ الفَضلَ بنَ سَهلٍ ، إذ رآهُ لَهُ مُؤازِرا ، وَبِحَقِّهِ قائِما ، وَبِحُجَّتِهِ ناطِقا ، وَلِنُقَبائِهِ نَقيبا ، وَلِخُيوله قائِدا ، وَلِحُروبِهِ مُدَبِّرا ، وَلِرَعيَّتِهِ سائِسا ، وَإليهِ داعيا ، وَلِمَن أَجابَ إِلى طاعَتِهِ مُكافِئا ، وَلِمَن عَدَلَ عَنها مُنابِذا ، وَبِنُصرَتِهِ مُتَفَرِّدا ، وَلِمَرَضِ القُلوبِ وَالنِّيَّاتِ مُداويا ، لَم يَنهَهُ عَن ذلِكَ قِلَّةُ مالٍ وَلا عَوزُ رِجالٍ ، وَلَم يَمِل بِهِ طَمَعٌ ، وَلَم يَلفِتهُ عَن نيَّتِهِ وَبَصيرَتِهِ وَجَلٌ ، بَل عِندَما يُهَوِّلُ المُهَوِّلونَ ، وَيَرعُدُ وَيَبرُقُ لَهُ المُبرِقونَ وَالمُرعِدونَ ، وَكَثرَةُ المُخالِفينَ وَ المُعانِدينَ مِنَ المُجاهِدينَ وَ المُخاتِلينَ ، أَثبَتُ ما يَكونُ عَزيمَةً ، وَ أَجرَئَ جِنانا ، وَ أَنفَذَ مَكيدَةً ، وَأَحسَنَ تَدبيرا ، وَأَقوى في تَثبيتِ حَقِّ المَأمونِ وَالدُّعاءِ إِليهِ .
حَتَّى قَصَمَ أَنيابَ الضَّلالَةِ ، وَ فَلَّ حَدَّهُم ، وَ قَلَّمَ أَظفارَهُم وَ حَصَدَ شَوكَتَهُم ، وَ صَرَعَهُم مَصارِعَ المُلحِدينَ في دِينِهِم ، وَالنَّاكِثينَ لِعَهدِهِ ، الوانينَ ۲ في أَمرِهِ ، المُستَخِفِّينَ بِحَقِّهِ ، الآمِنينَ لِما حُذِّرَ مِن سَطوَتِهِ وَ بأسِهِ ، مَعَ آثار ذي الرِّئاسَتَينِ في صُنوفِ الأُمم مِنَ المُشرِكينَ ، وَ ما زادَ اللّهُ بِهِ في حُدودِ دارِ المُسلِمينَ ، مِمَّا قَد وَرَدَت أَنباؤهُ عَلَيكُم ، وَ قُرِأَت بِهِ الكُتُبُ عَلى مَنابِرِكُم ، وَ حَمَلَهُ أَهلُ الآفاقِ إِلَيكُم إِلى غَيرِكُم .