289
مكاتيب الأئمة ج5

وَالبابُ الثَّالثُ : البَيانُ عَن إِعطائِنا إِيَّاهُ ما أَحَبَّ مِن مُلكِ التَّحَلِّي ، وَ حُليَةِ الزُّهدِ ، وَحُجَّةِ التَّحقيقِ لِما سَعى فيهِ مِن ثَوابِ الآخِرَةِ بِما يُتَقَرَّبُ في قَلبِ مَن كانَ شاكَّا في ذلِكَ مِنهُ ، وَ ما يَلزَمُنا لَهُ مِن الكَرامَةِ وَ العِزِّ وَ الحِباءِ الّذي بَذَلناهُ لَهُ وَ لأَِخيهِ ، في مَنعِهِما ما نَمنَعُ مِنهُ أَنفُسَنا ، وَذلِكَ مُحيطٌ بِكُلِّ ما يَحتاطُ فيهِ مُحتاطٌ في أَمرِ دينٍ وَ دُنيا . وَهذِهِ نُسخَةُ الكِتابِ :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
هذا كِتابٌ وَشَرطٌ مِن عَبدِاللّهِ المَأمونِ أَميرِ المُؤمِنينَ وَوَلِيِّ عَهدِهِ عَليِّ بنِ موسى الرِّضا ، لِذي الرِّئاسَتَينِ الفَضلِ بنِ سهلٍ ، في يَومِ الإِثنَينِ لِسَبعِ لَيالٍ خَلَونَ مِن شَهرِ رَمَضانَ مِن سَنَةِ إِحدَى وَمئَتَينِ ، وَ هوَ اليَومُ الّذي تَمَّمَ اللّهُ فيهِ دَولَةَ أَميرِ المُؤمِنينَ ، وَعَقَدَ لِوَليِّ عَهدِهِ ، وَ أَلبَسَ النَّاسَ اللِّباسَ الأَخضَرَ ، وَ بَلَغَ أَمَلَهُ في إِصلاحِ وَليِّهُ وَ الظَّفَرِ بِعَدُّوِّهِ .
إِنَّا دَعَوناكَ إِلى ما فيهِ بَعضُ مُكافاتِكَ عَلى ما قُمتَ بِهِ مِن حَقِّ اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى ، وَ حَقِّ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَ حَقِّ أَميرِ المُؤمِنينَ وَ وَلِيِّ عَهدِهِ عَليِّ بنِ موسى ، وَحَقِّ هاشِمٍ الَّتي بِها يُرجى صَلاحُ الِّدينِ وَ سَلامَةُ ذاتِ البَينِ بَينَ المُسلِمينَ ، إِلى أَن يَثبُتَ النِّعمَةُ عَلَينا وَعَلى العامَّةِ بِذلِكَ ، وَ بِما عاوَنتَ عَلَيه أَميرَ المُؤمِنينَ مِن إِقامَةِ الدِّينِ وَ السُّنَّةِ ، وَ إِظهارِ الدَّعوَةِ الثَّانيةِ وَ إِيثارِ الأَولى ، مَعَ قَمعِ المُشرِكينَ ، وَ كَسرِ الأَصنامِ ، وَقَتلِ العُتاةِ ، وَ سائِرِ آثارِكَ المُمَثَّلَةِ لِلأَمصارِ في المَخلوعِ ۱ وَقابِل ، وَ في المُسَمَّى بِالأَصفَرِ المُكَنَّى بِأَبي السَّرايا ، وَفي المُسَمَّى بِالمَهديِّ مُحَمَّدِ بنِ جَعفَرٍ الطَّالِبيِّ ، وَالتُّركِ الحولِيَّةِ ، وَ في طَبَرِستانَ وَ مُلوكِها ، إِلى بُندارَ هُرمُزَ بنِ شِروينَ ، وَ في الدَّيلَمِ وَ مَلِكِها مهورس ، وَ في كابُلَ وَ مَلِكِها هُرموس ، ثُمَّ مَلِكِها الأَصفَهبُدِ ، وَ في ابنِ البُرمِ ، وَ جِبالِ بدار بنده وغرشستان ، وَ الغور وَ أَصنافِها ، وَ في خُراسانَ خاقانَ وَ ملون صاحِبِ جَبَلِ التَّبَّتِ ، وَ في كيمان والتّغرغر ، وَ في إِرمينيَّةَ وَالحِجازِ ، وَ صاحِبِ السَّريرِ ، وَ صاحِبِ الخَزَرِ ، وَ في المَغرِبِ وَ حُروبِهِ ، وَ في تَفسيرِ ذلِكَ في ديوانِ السِّيرَةِ ،

1.و يعني به : الأمين .


مكاتيب الأئمة ج5
288

فَانتَهى شُكرُ ذي الرِّئاسَتَينِ بَلاءَ أَميرِ المُؤمِنينَ عِندَهُ وَ قيامَهُ بِحَقِّه ، وابتِذالَهُ مُهجَتَهُ وَ مُهجَةَ أَخيهِ أَبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ سَهلٍ ، الميمونِ النَّقيبَةِ ، المَحمودِ السِّياسَةِ ، إِلى غايَةٍ تَجاوَزَ فيها الماضينَ ، وَ فازَ بِها الفائِزينَ ، وَ انتَهَت مُكافَأَةُ أَميرُ المُؤمِنينَ إِيَّاه إِلى ما حَصَلَ لَهُ مِنَ الأَموالِ وَ القَطائِعِ وَ الجَواهِرِ ، وَإِن كانَ ذلِكَ لا يَفي بِيَومٍ مِن أَيَّامِهِ ، وَلا بِمَقامٍ مِن مَقاماتِهِ ، فَتَرَكَهُ زُهدا فيهِ ، وَارتِفاعا مِن هِمَّتِهِ عَنهُ ، وَ تَوفيرا لَهُ عَلى المُسلِمينَ ، وَ إطراحا لِلدُّنيا واستِصغارا لَها ، وَ إيثارا لِلآخِرَةِ وَمُنافَسَةً فيها . وَسأَلَ أَميرَ المُؤمِنينَ ما لَم يَزل لَهُ سائِلاً وَ إِلَيهِ فيهِ راغِبا ، مِنَ التَّخَلِّي وَ التَّزَهُّد ، فَعَظُمَ ذلِكَ عِندَهُ وَ عِندَنا ، لِمَعرِفَتِنا بِما جَعَلَ اللّهُ عز و جلفي مَكانِهِ الّذي هوَ بِهِ ، مِن العِزِّ وَ الدِّينِ وَ السُّلطانِ وَ القُوَّةِ عَلى صَلاحِ المُسلِمينَ وَ جِهادِ المُشرِكينَ ، وَ ما أَرى اللّهُ بِهِ مِن تَصديقِ نيَّتِهِ وَ يُمنُ نَقيبَتِهِ ، وَ صِحَّةِ تَدبيرِهِ وَ قُوَّةِ رَأيهِ ، وَ نُجحِ طَلِبَتِهِ وَ مُعاوَنَتِهِ عَلى الحَقِّ وَ الهُدى وَ البِرِّ وَ التَّقوى .
فَلَمَّا وَثِقَ أَميرُ المُؤمِنينَ وَثَقنا مِنهُ بِالنَّظَرِ لِلدِّينِ وَ إِيثارِ ما فيهِ صَلاحُهُ وَ أَعطَيناهُ سُؤلَهُ الّذي يَشبَهُ قَدرَهُ ، وَ كَتَبنا لَهُ كِتابَ حِباءٍ وَ شَرطٍ قَد نُسِخَ في أَسفَلِ كِتابي هذا ، وَ أَشهَدنا اللّهَ عَلَيهِ ، وَ مَن حَضَرَنا مِن أَهلِ بَيتِنا ، وَ القُوَّادِ ، وَ الصَّحابَةِ ، وَ القُضاةِ وَ الفُقَهاءِ ، وَ الخاصَّةِ ، وَ العامَّةِ . وَ رأَى أَميرُ المُؤمِنينَ الكِتابَ بِهِ إِلى الآفاقِ لِيَذيعَ وَ يَشيعَ في أَهلِها ، وَ يُقرَأُ عَلى مَنابِرِها ، وَ يُثبَتُ عِندَ وِلاتِها وَ قُضاتِها ، فَسَأَلني أَن أَكتُبَ بِذلِكَ وَ أَشرَحَ مَعانيهِ ، وَ هيَ عَلى ثَلاثَةِ أَبوابٍ :
فَفي البابِ الأَوَّلِ : البيانُ عَن كُلِّ آثارِهِ الَّتي أَوجَبَ اللّهُ تَعالى بِها حَقَّهُ عَلَينا وَ عَلى المُسلِمين .
وَ البابُ الثَّاني : البيانُ عَن مَرتَبَتِهِ في إِزاحَةِ عِلَّتِهِ ، في كُلِّ ما دَبَرَ وَ دَخَلَ فيهِ ، وَلا سَبيلَ عَلَيهِ فيما تَرَكَ وَ كَرَهَ ، وَذلِكَ لِما لَيسَ لِخَلقٍ مِمَّن في عُنُقِهِ بَيعَةٌ إلّا لَهُ وَحدَهُ وَ لأَِخيهِ ، وَ مِن إِزاحَةِ العِلَّةِ تَحكيمُها في كُلِّ مَن بَغيَ عَلَيهُما ، وَسَعى بِفَسادٍ عَلَينا وَ عَلَيهِما وَأَوليائِنا ، لِئَلَا يَطمَعُ طامِعٌ في خِلافٍ عَلَيهِما ، وَلا مَعصيَةَ لَهُما ، وَلا احتيالَ في مَدخَلٍ بَينَنا وَ بَينَهُما.

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمة ج5
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1387
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 120286
الصفحه من 464
طباعه  ارسل الي