417
مكاتيب الأئمة ج5

فإذا أنت يا ابن رسول اللّه أتيته فلا تذكر له شيئاً و لا تعاتبه على ما كان منه.
فقال عليه السلام : هكَذا كانَ عَزمي وَرَأيي وَاللّهِ .
ثمّ دعا بثيابه و لبس و نهض ، و قام معه النّاس أجمعون حتّى دخل على المأمون ، فلمّا رآه قام إليه و ضمّه إلى صدره ورحّب به ، و لم يأذن لأحدٍ في الدّخول عليه ، و لم يزل يحدّثه و يستأمره . فلمّا انقضى ذلك قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الرّضا عليهم السلام : يا أَميرَ المُؤمِنينَ .
قال : لبّيك و سعديك . قال : لك عِندي نَصيحَةٌ فاقبَلها .
قال المأمون: بالحمد و الشّكر ، فما ذاك يا ابن رسول اللّه ؟
قال : أُحِبُّ لَكَ أَن لا تَخرُجَ بِاللَّيلِ ؛ فَإِنّي لا آمَنُ عَلَيكَ مِن هذا الخَلقِ المَنكوسِ ، وَ عِندي عَقدٌ تَحصُنُ بِهِ نَفسَكَ وَ تُحرَزُ بِهِ مِنَ الشُّرورِ وَ البَلايِا وَ المَكارِهِ وَ الآفاتِ وَ العاهاتِ ، كَما أَنقَذَني اللّهُ مِنكَ البارِحَةَ ، وَ لَو لَقيتَ بِهِ جُيوشَ الرّومِ وَ التُّركِ ، وَ اجتَمَعَ عَلَيكَ وَ عَلى غَلَبَتِكَ أَهلُ الأَرضِ جَميعاً ما تَهَيَّأ لَهُم مِنكَ شَيءٌ بِإِذنِ اللّهِ الجَبّارِ ، وَ إِن أَحبَبتَ بَعَثتُ بِهِ إِلَيكَ لِتَحتَرِزَ بِهِ مِن جَميعِ ما ذَكَرتُ لَكَ .
قال : نعم ، فاكتب ذلك بخطّك و ابعثه إليَّ . قال : نَعَم .
قال ياسر : فلمّا أصبح أبو جعفرٍ عليه السلام بعث إليَّ فدعاني ، فلمّا صرت إليه و جلست بين يديه دعا برقّ ظبيٍ من أرض تهامة ، ثمّ كتب بخطّه هذا العقد ، ثمّ قال :
يا ياسِرُ ، احمِل هذا إِلى أَميرِ المُؤمِنينَ وَ قُل لَهُ : حَتّى يُصاغَ لَهُ قَصَبَةٌ مِن فِضَّةٍ مَنقوشٌ عَلَيها ما أَذكُرُهُ بَعدُهُ ، فَإِذا أَرادَ شَدَّهُ عَلى عَضُدِهِ فَليَشُدَّهُ عَلى عَضُدِهِ الأَيمَنِ ، وَ ليَتَوَضَّأ وُضوءً حَسَناً سابِغاً ، وَ ليُصَلِّ أَربَعَ رَكَعاتٍ يَقرَأُ في كُلِّ رَكعَةٍ فاتِحَةَ الكِتابِ مَرَّةً ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ آيَةَ الكُرسيِّ ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ شَهدَ اللّهُ ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ وَ الشَّمسُ وَ ضُحيها ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ وَ اللَّيلِ إِذا يَغشى ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ قُل هوَ اللّهُ أَحَدٌ . فَإِذا فَرَغَ مِنها فَليَشُدَّهُ عَلى عَضُدِهِ الأَيمَنِ عِندَ الشَّدائِدِ وَ النَّوائِبِ ، يَسلم بِحَولِ اللّهِ وَ قُوَّتِهِ مِن كُلِّ شَيءٍ يَخافَهُ وَ يَحذَرُهُ . وَ يَنبَغي أَن لا يَكونَ طُلوعُ القَمَرِ في بُرجِ العَقرَبِ ، وَ لَو أَنَّه غَزيَ أَهلَ الرّومِ وَ مِلكِهِم لَغَلَبَهُم بِإِذنِ اللّهِ وَ بَرَكَةِ هذا الحِرزِ .


مكاتيب الأئمة ج5
416

فخرج ياسر وأنا ألطم حرّ وجهي ، فما كان بأسرع من أن رجع ياسر فقال : البشرى يا أمير المؤمنين . قال لك البشرى : فما عندك ؟
قال ياسر : دخلت عليه فإذا هو جالس و عليه قميص ودواج 1 و هو يستاك ، فسلّمت عليه وقلت : يا ابن رسول اللّه أحبّ أن تهب لي قميصك هذا اُصلّي فيه وأتبرّك به ، وإنّما أردت أن أنظر إليه وإلى جسده هل به أثر السّيف ، فواللّه كأنّه العاج الّذي مسّه صفرة ما به أثر .
فبكى المأمون طويلاً وقال :مابقي مع هذا شيء،إنّ هذا لعبرة للأوّلين و الآخرين .
وقال : يا ياسر ، أمّا ركوبي إليه وأخذي السّيف و دخولي عليه فإنّي ذاكر له ، و خروجي عنه فلست أذكر شيئاً غيره ، و لا أذكر أيضاً انصرافي إلى مجلسي ، فكيف كان أمري و ذهابي إليه ! لعن اللّه هذه الإبنة لعناً وبيلاً ، تقدّم إليها و قل لها : يقول لك أبوك واللّه لئن جئتني بعد هذا اليوم شكوت أو خرجت بغير إذنه لأنتقمنّ له منك ! ثمّ سر إلى ابن الرّضا وأبلغه عنّي السّلام ، و احمل إليه عشرين ألف دينار ، و قدّم إليه الشِّهري 2 الّذي ركبته البارحة . ثمّ مرّ بعد ذلك الهاشميّين أن يدخلوا عليه بالسّلام و يسلّموا عليه .
قال ياسر:فأمرت لهم بذلك،ودخلت أنا أيضاً معهم،وسلّمت عليه وأبلغت التّسليم ووضعت المال بين يديه ، و عرضت الشّهري عليه ، فنظر إليه ساعة ثمّ تبسّم فقال :يا ياسِرُ ، هكَذا كانَ العَهدُ بَينَنا وَ بَينَهُ حَتّى يَهجُمَ عَلَيَّ بِالسَّيفِ ، أَ ما عَلِمَ أَنَّ لي ناصِراً وَ حاجِزاً يَحجُزُ بَيني وَ بَينَهُ ؟
فقلت : يا سيّدي يا ابن رسول اللّه دع عنك هذا العتاب و اصفح ، واللّه و حقّ جدّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما كان يعقل شيئاً من أمره و ما علم أين هو من أرض اللّه ، و قد نذر اللّه نذراً صادقاً و حلف أن لا يسكر بعد ذلك أبداً ، فإنّ ذلك من حبائل الشّيطان ،

1.الدّواج كزنار و غراب: اللّحاف الّذي يُلبس ( القاموس المحيط : ج۱ ص۱۸۹ ) .

2.الشّهري ـ بالكسر ـ : ضرب من البراذين (القاموس المحيط : ج۲ ص۶۶ ) .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمة ج5
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1387
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 119866
الصفحه من 464
طباعه  ارسل الي