ألا تَرى يا هِنديُّ ، إنَّ مَن غَلَبَهُ النّورُ جَعَلَ يَدَهُ عَلى عَينَيهِ ؛ لِيَرِدُ عَلَيهِما قَدرُ كِفايَتِهِما مِنهُ ، وجُعِلَ الأَنفُ فيما بَينَهُما ؛ لِيُقَسِّمُ النّورَ قِسمَينِ إلى كُلِّ عَينٍ سَواءً ، وكانَتِ العَينُ كَاللَّوزَةِ ؛ لِيَجرِيَ فيهَا الميلُ بِالدَّواءِ ويَخرُجَ مِنهَا الدّاءُ . ولَو كانَت مُرَبَّعَةً أو مُدَوَّرَةً ماجَرى فيهَا الميلُ ، وما وَصَلَ إلَيها دَواءٌ ، ولا خَرَجَ مِنها داءٌ . ۱
۴۲۷.عنه عليه السلامـ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ ـ: اُنظُرِ الآنَ ـ يا مُفَضَّلُ ـ إلى هذِهِ الحَواسِّ الَّتي خُصَّ بِهَا الإِنسانُ في خَلقِهِ وشُرِّفَ بِها عَلى غَيرِهِ ، كَيفَ جُعِلَتِ العَينانِ فِي الرَّأسِ كَالمَصابيحِ فَوقَ المَنارَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِن مُطالَعَةِ الأَشياءِ ، ولَم تُجعَل فِي الأَعضاءِ الَّتي تَحتَهُنَّ كَاليَدَينِ وَالرِّجلَينِ فَتَعرِضَهَا الآفاتُ وتُصيبَها مِن مُباشَرَةِ العَمَلِ وَالحَرَكَةِ ما يُعَلِّلُها ويُؤَثِّرُ فيها ويَنقُصُ مِنها ، ولا في الأَعضاءِ الَّتي وَسَطَ البَدَنِ كَالبَطنِ وَالظَّهرِ فَيَعسُرَ تَقَلُّبُها وَاطِّلاعُها نَحوَ الأَشياءِ ، فَلَمّا لَم يَكُن لَها في شَيءٍ مِن هذِهِ الأَعضاءِ مَوضِعٌ ، كانَ الرَّأسُ أسنَى المَواضِعِ لِلحَواسِّ ، وهُوَ بِمَنزِلَةِ الصَّومَعَةِ لَها .
فَجُعِلَ الحَواسُّ خَمسا تَلقى خَمسا لِكَيلا يَفوتَها شَيءٌ مِنَ المَحسوساتِ ، فَخُلِقَ البَصَرُ ، لِيُدرِكَ الأَلوانَ ؛ فَلَو كانَتِ الأَلوانُ ولَم يَكُن بَصَرٌ يُدرِكُها لَم يَكُن مَنفَعَةٌ فيها .
وخُلِقَ السَّمعُ لِيُدرِكَ الأَصواتَ ، فَلَو كانَتِ الأَصواتُ ولَم يَكُن سَمعٌ يُدرِكُها لَم يَكُن فيها إربٌ ۲ ، وكَذلِكَ سائِرُ الحَواسِّ .
ثُمَّ هذا يَرجِعُ مُتَكافِئا ، فَلَو كانَ بَصَرٌ ولَم يَكُن ألوانٌ ؛ لَما كانَ لِلبَصَرِ مَعنىً ،