175
موسوعة الأحاديث الطّبيّة ج1

ولَو كانَ سَمعٌ ولَم يَكُن أصواتٌ ؛ لَم يَكُن لِلسَّمعِ مَوضِعٌ ، فَانظُر كيَفَ قُدِّرَ بَعضُها يَلقى بَعضا ، فَجُعِلَ لِكُلِّ حاسَّةٍ مَحسوسٌ يُعمَلُ فيهِ ، ولِكُلِّ مَحسوسٍ حاسَّةٌ تُدرِكُهُ ، ومَعَ هذا فَقَد جُعِلَت أشياءُ مُتَوَسِّطَةً بَينَ الحَواسِّ وَالمَحسوساتِ لا يَتِمُّ الحَواسُّ إلاّ بِها كَمِثلِ الضِّياءِ وَالهَواءِ ؛ فَإِنَّهُ لَو لَم يَكُن ضِياءٌ يُظهِرُ اللَّونَ لِلبَصَرِ لَم يَكُنِ البَصَرُ يُدرِكُ اللَّونَ ، ولَو لَم يَكُن هَواءٌ يُؤَدِّي الصَّوتَ إلَى السَّمعِ ؛ لَم يَكُنِ السَّمعُ يُدرِكُ الصَّوتَ .
فَهَل يَخفى عَلى مَن صَحَّ نَظَرُهُ وأعمَلَ فِكرَهُ أنَّ مِثلَ هذا الَّذي وَصَفتُ مِن تَهيِئَةِ الحَواسِّ وَالمَحسوساتِ بَعضُها يَلقى بَعضا ، وتَهيِئَةِ أشياءَ اُخَرَ بِها تَتِمُّ الحَواسُّ لا يَكونُ إلاّ بِعَمدٍ وتَقديرٍ مِن لَطيفٍ خَبيرٍ؟
فَكِّر يا مُفَضَّلُ ، فيمَن عَدِمَ البَصَرَ مِنَ النّاسِ وما يَنالُهُ مِنَ الخَلَلِ في اُمورِهِ ؟ فَإِنَّهُ لا يَعرِفُ مَوضِعَ قَدَمِهِ ، ولا يُبصِرُ ما بَينَ يَدَيهِ ، فَلا يُفَرِّقُ بَينَ الأَلوانِ ، وبَينَ المَنظَرِ الحَسَنِ وَالقَبيحِ ، ولا يَرى حُفرَةً إن هَجَمَ عَلَيها ، ولا عَدُوّا إن أهوى إلَيهِ بِسَيفٍ ، ولا يَكونُ لَهُ سَبيلٌ إلى أن يَعمَلَ شَيئا مِن هذِهِ الصِّناعاتِ ، مِثلِ الكِتابَةِ وَالتِّجارَةِ وَالصِّياغَةِ ، حَتّى أنَّهُ لَو لا نَفاذُ ذِهنِهِ لَكانَ بِمَنزِلَةِ الحَجَرِ المُلقى . . .
تَأَمَّل ـ يا مُفَضَّلُ ـ الجِفنَ عَلَى العَينِ كَيفَ جُعِلَ كَالغِشاءِ ، وَالأَشفارَ ۱ كَالأَشراجِ ۲ وأولَجَها في هذا الغارِ ، وأظَلَّها بِالحِجابِ وما عَلَيهِ مِنَ الشَّعرِ . ۳

1.الشُّفْر ـ بالضمّ وقد يفتح ـ : حرف جفن العين الذي ينبت عليه الشعر (النهاية ، ج ۲ ص ۴۸۴).

2.الأشراج : العُرى. أشْرَجْتُ العَيْبَة وشَرَجتها : إذا شددتها بالشَّرَج وهي العُرى (النهاية ، ج ۲ ، ص ۴۵۶).

3.بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۶۹ نقلاً عن الخبر المشتهر بتوحيد المفضّل.


موسوعة الأحاديث الطّبيّة ج1
174

ألا تَرى يا هِنديُّ ، إنَّ مَن غَلَبَهُ النّورُ جَعَلَ يَدَهُ عَلى عَينَيهِ ؛ لِيَرِدُ عَلَيهِما قَدرُ كِفايَتِهِما مِنهُ ، وجُعِلَ الأَنفُ فيما بَينَهُما ؛ لِيُقَسِّمُ النّورَ قِسمَينِ إلى كُلِّ عَينٍ سَواءً ، وكانَتِ العَينُ كَاللَّوزَةِ ؛ لِيَجرِيَ فيهَا الميلُ بِالدَّواءِ ويَخرُجَ مِنهَا الدّاءُ . ولَو كانَت مُرَبَّعَةً أو مُدَوَّرَةً ماجَرى فيهَا الميلُ ، وما وَصَلَ إلَيها دَواءٌ ، ولا خَرَجَ مِنها داءٌ . ۱

۴۲۷.عنه عليه السلامـ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ ـ: اُنظُرِ الآنَ ـ يا مُفَضَّلُ ـ إلى هذِهِ الحَواسِّ الَّتي خُصَّ بِهَا الإِنسانُ في خَلقِهِ وشُرِّفَ بِها عَلى غَيرِهِ ، كَيفَ جُعِلَتِ العَينانِ فِي الرَّأسِ كَالمَصابيحِ فَوقَ المَنارَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِن مُطالَعَةِ الأَشياءِ ، ولَم تُجعَل فِي الأَعضاءِ الَّتي تَحتَهُنَّ كَاليَدَينِ وَالرِّجلَينِ فَتَعرِضَهَا الآفاتُ وتُصيبَها مِن مُباشَرَةِ العَمَلِ وَالحَرَكَةِ ما يُعَلِّلُها ويُؤَثِّرُ فيها ويَنقُصُ مِنها ، ولا في الأَعضاءِ الَّتي وَسَطَ البَدَنِ كَالبَطنِ وَالظَّهرِ فَيَعسُرَ تَقَلُّبُها وَاطِّلاعُها نَحوَ الأَشياءِ ، فَلَمّا لَم يَكُن لَها في شَيءٍ مِن هذِهِ الأَعضاءِ مَوضِعٌ ، كانَ الرَّأسُ أسنَى المَواضِعِ لِلحَواسِّ ، وهُوَ بِمَنزِلَةِ الصَّومَعَةِ لَها .
فَجُعِلَ الحَواسُّ خَمسا تَلقى خَمسا لِكَيلا يَفوتَها شَيءٌ مِنَ المَحسوساتِ ، فَخُلِقَ البَصَرُ ، لِيُدرِكَ الأَلوانَ ؛ فَلَو كانَتِ الأَلوانُ ولَم يَكُن بَصَرٌ يُدرِكُها لَم يَكُن مَنفَعَةٌ فيها .
وخُلِقَ السَّمعُ لِيُدرِكَ الأَصواتَ ، فَلَو كانَتِ الأَصواتُ ولَم يَكُن سَمعٌ يُدرِكُها لَم يَكُن فيها إربٌ ۲ ، وكَذلِكَ سائِرُ الحَواسِّ .
ثُمَّ هذا يَرجِعُ مُتَكافِئا ، فَلَو كانَ بَصَرٌ ولَم يَكُن ألوانٌ ؛ لَما كانَ لِلبَصَرِ مَعنىً ،

1.الخصال ، ص ۵۱۳ ، ح ۳ ، علل الشرائع ، ص ۱۰۰ ، ح ۱ كلاهما عن الربيع صاحب المنصور ، المناقب لابن شهرآشوب ، ج ۴ ، ص ۲۶۰ ، بحار الأنوار ، ج ۶۱ ، ص ۳۰۹ ، ح ۱۷.

2.الإرْب : الحاجة (لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۲۰۸).

  • نام منبع :
    موسوعة الأحاديث الطّبيّة ج1
    المساعدون :
    خوش نصيب، مرتضي؛ سبحاني نيا، محمد تقي؛ افقي، رسول؛ سعادت فر، احمد
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 212546
الصفحه من 421
طباعه  ارسل الي