339
الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)

في الأمر التشريعي والأحكام التشريعيّة التكليفيّة والوضعيّة المتعلّقة بأفعال المكلّفين نسخ فهو في الأمر التكوينّي والإضافات التكوينيّة في المعلومات الكونيّة والمكوَّنات الزمانيّة بداء.
فالنسخ كأنّه بداء تشريعيّ ، والبداء كأنّه نسخ تكوينيّ، ولا بداء في القضاء ، ولا بالنسبة إلى جناب القدّوس الحقّ ، والمفارقات المحضة من ملائكة القدسيّة ولا في متن الدهر الذي هو ظرف الحصول القارّ والنبات الباتّ ودعاء نظام الوجود كلّه ، إنّما البداء في القَدَر وفي امتداد الزمان الذي هو اُفق التقضّي والتجدّد ، وظرف السبق واللحوق ، والتدريج والتعاقب ، وبالنسبة إلى الكائنات الزمانيّة والهويّات الهيولائيّة .
وبالجملة ، بالنسبة إلى من في عالَمَيِ المكان والزمان ، ومن في عالم المادّة وأقاليم الطبيعة ، وكما حقيقة النسخ عند التحقيق انتهاء الحكم التشريعيّ وانقطاع استمراره ، لا رفعه وارتفاعه عن وعاء الواقع ، فكذلك حقيقة البداء عند الفحص البالغ واللحاظ الفائز انبتات استمرار الأمر التكوينيّ وانتهاء اتّصال الإفاضة ونفاد تمادي الفَيَضان في المجعول الكونيّ والمعلول الزمانيّ .
ومرجعه إلى تجديد زمان الكون وتخصيص وقت الإفاضة بحسب اقتضاء الشرائط والمعدّات ، واختلاف القوابل والاستعدادات لا أنّه ارتفاع المعلول الكائن عن وقت كونه ، وبطلانه في حدّ حصوله . هذا على مذاق الحقّ ومشرب التحقيق ۱ .
والصدوق أبو جعفر بن بابويه ـ رحمه اللّه تعالى ورضي عنه ـ مسلكه في كتاب التوحيد جعل النسخ من البداء ۲ ، وهذا الاصطلاح ليس برضيّ عندي؛ وأمّا علماء الجمهور ، فمحقّقوهم يصطلحون على تفسير البداء بالقضاء فها ابن الأثير في النهاية أورد بعض أحاديث البداء ، وفيه بداء اللّه عزّوجل أن مبتليهم ، ثمّ شرحه فقال : أي قضى بذلك ، وهو معنى البداء هاهنا لأنّ القضاء سابق والبداء استصو[ا]ب شيء عُلم

1.بحار الأنوار ، ج۴ ، ص۱۲۸ .

2.التوحيد ، ص ۳۳۵ ، ذيل ح۹.


الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
338

ثابت ، وهو دهر له .
وفي كتاب الملل والنحل في ترجمة النظّام من المعتزلة : من مذهبه أنّ اللّه تعالى خلق الموجوداتِ دفعة واحدة على ما هي عليها الآنَ : معادنَ ونباتاً وحيواناً وإنساناً لم يتقدّم خلقُ آدَم خلقَ أولاده غيرَ أنّ اللّه تعالى أمكن بعضها في بعض ، والتقدّم والتأخّر إنّما يقع في ظهورها من مكانها دون حدوثها ووجودها ۱ . انتهى .
وإنّما يطلق عليه بالنظر إلى من لا يعلم ، وربّما اعتبر في البداء ظنّ من لا يعلم بأنّه لا يصدر ، والمخالفون نسبوا إلينا البداء بمعنى الندامة إليه ۲ تعالى فقد غفلوا أو تغافلوا .
ثمّ بما قرّرنا أنّ الترتّب والتغيّر في المعلولات لا يوجب تغيّرا في علمه تعالى ولا انقلابَ علمه جهلاً ، ولا تخلّفَ المعلول عن علّته والتفصيل على ما اُفيد ذلك حيث قال : البَداء ممدود على وزن السَماء ، وهو في اللغة اسم لما ينشأ للمراء من الرأي في أمر ، ويظهر له من الصواب فيه ، ولا يستعمل الفعل منه مفطوما عن اللام الجارّة ، وأصل ذلك من البُدُوّ بمعنى الظهور . يقال : بدا الأمر يبدو بدوّا ، أي ظهر ، وبدا الفلان في هذا الأمر بداءً ، أي نشأ وتجدّد له فيه رأي جديد يستصوبه ، وفعل فلان كذا ثمّ بدا له أي تجدّد وحدث له رأي بخلافه ، وهو ذو بَدَواتٍ بالتاء ـ قاله الجوهري في الصحاح ۳ ، والفيروزآبادي في القاموس ۴ ، وصاحب الكشّاف في أساس البلاغة ـ وذو بدوانٍ بالنون .
قال ابن الأثير في النهاية : أي لا يزال يبدو له رأي جديد ۵ . ويظهر له أمر سانح ، ولا يلزم أن يكون ذلك ألبتّة عن ندامة وتندّم عمّا فعله بل قد وربما ؛ إذ يصحّ أن يختلف المصالح والآراء بحسب اختلاف الأوقات والآونة ، فلا يلزم أن يكون بدا إلاّبداء تندّم .
وأمّا بحسب الاصطلاح ، فالبداء منزلته في التكوين منزلة النسخ في التشريع ، فما

1.الملل والنحل ، ج۱ ، ص۵۶ .

2.تفسير الرازي ، ج۱۹ ، ص۶۶ ؛ البحر المحيط ، ج۵ ، ص۳۸۸ .

3.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۲۷۸ (بدا) .

4.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۰۲ (بدا) .

5.النهاية ، ج ۱ ، ص ۱۰۹ (بدا).

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
    المساعدون :
    الجليلي، نعمة الله؛ مهدي زاده، مسلم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 53846
الصفحه من 476
طباعه  ارسل الي