الإقرار بذلك وشرطه عليه . وهذا الفرق بين ما مضى وبين ما سيأتي يدلّ على البداء أي ترتّب الأشياء بصدورها عنه تعالى وتعاقبها بقياس بعضها إلى بعض لا غير .
قال : قال : علم وشاء . [ ص۱۴۸ ح۱۶ ]
أقول : لا خفاء في أنّ صفاتِه الكماليّةَ وإن كانت عينَ ذاته تعالى ـ بمعنى أنّ ذاته بذاته مصداق حملها ومطابَق ضدّها عليها ، وهذا لا ينافي تكثّر مفهوماتها وترتّب بعضها على بعض بحسب ما يتصوّرها ؛ إذ من المعلوم بَتَّةَ أنّه ـ جلّ سلطانه ـ بحقيقته وإنّيّته وذاته وصفاته متمجّد عن جميع ما عداه ، متقدّس عن سائر ما سواه وكلِّ ما في مُنَّة ۱ العقول إدراكه فإنّه في الهبوط عن حريم جناب الربوبيّة بمراحلَ لا تتناهى .
فمن الواجب المحتوم أن تعلم مع ذلك أنّ كلّ اسم نتعاطاه من تلك الأسماء القدسيّة وكلّ لفظ نستعملها من تلك الألفاظ الكماليّة في شيء من شؤونه وصفاته وجهاته واعتباراته لا يصحّ أن تكون هناك إلاّ على سبيلٍ آخَرَ متقدّسٍ متمجّد متعالٍ عن سبيل المعنى الذي نعقله ونتصوّره من ذلك الاسم ومن تلك اللفظة ومن أيَّة لفظ استعملناها مكانها ، فكلّ لفظ كماليّة فهي في صُنع ۲ الربوبيّة بمعنى أقدسَ وأرفعَ ممّا في وسع إدراكه ۳
العقول والأوهام ، وكلّ اسم قدسيّ لكمال حقيقي فهو له سبحانه بمعنى أعلى وأمجد من أن يعقل ويوصف ، والباري الحقّ بحيث لا يناسب ولا يشاكله ولا يضاهيه ولا يدانيه شيء من الأشياء في إنّيّته وذاته ، ولا في شيء من أوصافه وحيثيّاته حتّى إذا قلنا : إنّه موجود ، علمنا مع ذلك أنّ وجوده لا كوجود سائر ما دونه ، وإذا قلنا : إنّه يجيء ۴ ، علمنا أنّه بمعنى أمجد وأسنى ممّا نعلمه من العالم الذي هو غيره ، وكذلك في سائر الأسماء العزّيّة الجلاليّة ، والألفاظ القدسيّة الكماليّة .