391
الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)

الاستفهام والاستطاعة للّه كان في أوائل حالهم من عدم الاتّفاق والاستحكام لهم .
ثمّ إنّ للاستطاعة إطلاقاتٍ ثلاثةً :
أوّلها : القدرة على ما لم يتعلّق بمنافيه مشيّة للّه تعالى ويعبّر عنها بمشيّة من لا يكون إلاّ ما شاء اللّه بخلاف ما عليه المفوّضة من المعتزلة حيث يتركون هذا القيد ، ويقولون : إنّه يكون للعبد بقدرته وإن تعلّقت مشيّة بعدمه إلاّ أن يجبره .
والاستطاعة في هذا الخبر هو هذا حيث وقع فيه سبب وارد من اللّه حيث لم يتعلّق بمنافيه بل تعلّق به ، وبطل ما عليه المفوّضة من التفويض بكلا معنييه حيث اعتبروا في معنى الثاني عدم توقّف فعل العبد على إذنه تعالى ومشيّته . وفي المعنى الأوّل عدم قدرته تعالى على صرف العبد عن فعله إلاّ بالقسر والإلجاء .
ثمّ إنّ الاستطاعة المنفيّة في سورة الكهف بقوله تعالى حكاية عن الخضر عليه السلام خطاباً لموسى : « إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا »۱ وفي سورة بني إسرائيل : « فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً »۲ محمولة على هذا المعنى .
وثانيها : التمكّن من الشيء ، وهو معناها لغة ، ويسمّى بالفارسيّة «توان» و«توانايى».
وثالثها : آلة في الحال يظنّ بحسبها أنّه استحقّوا القدرة على شيء في حال بعد تلك الحال إن لم يترك ذو الآلة باختياره شيئاً ممّا يقدر عليه من الشروط لذلك الشيء كما في قوله تعالى : « وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً »۳ كما سيأتي في خامس باب استطاعة الحجّ من كتاب الحجّ .
قال : فسّر لي . [ ص۱۶۱ ح۱ ]
أقول : أي أوضح لي مثال هذا أي عدم تحقّق الاستطاعة بدون سبب وإرادةٍ من اللّه مع تحقّق الثلاث . «قال : إن يكون» أي مثاله أن يكون ، وقوله : «يريد» أي يعزم في الحال

1.الكهف (۱۸) : ۶۷ .

2.الإسراء (۱۷) : ۴۸ .

3.آل عمران (۳) : ۹۷ .


الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
390

أقول : وهو الإذن ، ومشيّته تعالى كمشيّته يلزم القصد .
تقريره أنّ الحكماء وأهل الملّة قد اتّفقوا على أنّ إرادة اللّه تعالى إذا تعلّقت بفعل من أفعال نفسه أوجبت المراد ، أمّا إذا يفعل غيره ففيه خلاف من قال من المعتزلة : إنّ الأمر هو الإرادة فإنّ الأمر لا يوجب المراد إتّفاقاً ، وأمّا إرادة أحدنا إذا تعلّقت بفعل من أفعال نفسه فإنّها توجب المراد ، ولا يتخلّف عنها عادةً وإن كانت مقارنة له .
ووافقهم في ذلك الجبائي وجماعة من متأخّري المعتزلة . وجوّز نظّام والعلاف وجعفر بن حرب وطائفة من قدماء معتزلة البصرة إيجابها للمراد إذا كانت تلك الإرادة قصدا إلى الفعل لا عزماً عليه ؛ لأنّ الإرادة إذا كانت عزماً على الفعل لم يُوجَب المراد .
واستدلّ على ذلك بأنّ العزم توطين النفس على أحد الأمرين بعد سابقة التردّد فيهما ، والعزم الذي هو هذا توطين النفس يقبل الشدّة والضعف ويقوى شيئاً فشيئاً حتّى يبلغ إلى درجة الجزم مقارناً للفعل ، فيكون متقدّماً عليه غير موجب له فيزول التردّد بالكلّيّة ومع ذالك فقد لايكون العزم الواصل إلى مرتبة الجزم وربّما يزول ذلك الجزم ۱ والجزم لزوال شرط أو وجود مانع ، فهؤلاء اتّبعوا إرادة متقدّمة على الفعل ، ولم يجوّزوا كونها موجبة ، وإرادة مقارنة له هي القصد ، وجوّزوا إيجابه إيّاه .
وأمّا الأشاعرة فلم يجعلوا العزم من قبيل الإرادة بل أمرا مغايرا لها ۲ .
وعلى هذا القياس حال الكراهة .
فإذا تقرّر هذا فنقول : إنّ الاستطاعة هي القدرة الحادثة ، فلهذا غايت عيسى عليه السلام من هذه الجهة أيضاً الحواريّين حيث قالوا : « هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ » بقوله : « وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ »۳ ولعلّ سؤال الحواريّين من

1.كذا .

2.المواقف ، ج۲ ، ص۱۰۴ ، من قوله : «أنّ الحكماء وأهل الملّة قد اتّفقوا على أنّ إرادة اللّه تعالى» مع اختلاف يسير .

3.المائدة (۵) : ۱۲ .

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
    المساعدون :
    الجليلي، نعمة الله؛ مهدي زاده، مسلم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 54063
الصفحه من 476
طباعه  ارسل الي