395
الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)

أقول : الباء فيه كالباء في قولنا : «زيد شريف بالشرف» بالكسر ، وأصلها السببيّة كان مبدأ الاشتقاق سببَ صدق المشتقّ . ويحتمل أن يكون للملابسة كما في قولهم : «الماهيّة ما به الشيء هو هو» .
ثمّ إنّ المراد من الاستطاعة القدرة المستحقّة وإنّها مع الفعل ، وإنّها بمعنى الأوّل الذي قدّمناه . وأمّا الاستطاعة بمعنى التمكّن من الفعل ، فهي متقدّمة على الفعل .
فاندفع بما قرّرنا ـ من أنّ الاستطاعة عبارة الإشكال ـ أنّ ظاهر هذا الخبر يعطي أنّ الاستطاعة هي القدرة أن يكون قبل الفعل ، فيلزم أن لا يكون الإيمان مثلاً مقدورا لشخص ما قبل إيمانه ، فلا يكون الكافر قادراً على الإيمان ، فتكليفه به من قبيل تكليف الشخص بما لا يطاق كما لزم الأشاعرة القائلين بأنّ قدرة العبد لا تكون سابقة على فعله كما تقرّر في علم الكلام ولكن بقي أنّه يحتاج قوله : «ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل ولا كثير» إلى التوجيه بوجهٍ ما مع أنّ الآلة من الاستطاعة ومتقدّمة على الفعل .
ولعلّ قوله هذا محمول على التقيّة .
ثمّ لا يخفى أنّ كون الاستطاعة مع الفعل والترك ـ كما في هذا الخبر ـ ينافي كونها مع الفعل ، وإن تركه ـ كما في الخبر السابق عليه ـ بلا فصل .
قلت : لعلّ المراد من الاستطاعة في هذا ـ الخبر المقارنة لهما جميعاً ـ ما يعمّ الاستطاعة بالمعنى الأوّل والثاني من قبيل عموم الاشتراك ، على أن يكون المراد من الاستطاعة مع الفعل هو معنى الأوّل ، ومع الترك المعنى الثاني ، وما في الخبر السابق من عدم الاستطاعة حيث قال : «وإذا لم يفعلوا لم يكونوا ۱ مستطيعين » بالمعنى الأوّل لا بالمعنى الثاني ، وهو التمكّن منه .
ثمّ لا يخفى أنّ الاستطاعة بهذا المعنى توجد قبل الفعل والترك ، وإن لم توجد بالمعنى الأوّل من ذلك ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « ما كلّف اللّه العباد كلفة فعل ولا نهاهم عن شيء حتّى جعل لهم

1.في الأصل : «لم يفعلي لم يكونا» .


الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
394

هذا ما اُشير إليه في قوله تعالى في سورة الروم : « هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـنُكُم مِّن شُرَكَآءَ فِى مَا رَزَقْنَـكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الْأَيَـتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »۱ .
وبالجملة ، إنّ كلاًّ من فردي التفويض يستلزم أن يكون العبد مضافا إلى اللّه وفي سلطنته.
بيان ذلك أمّا في التفويض الأوّل ، وهو إقداره تعالى عبدا على شيء بحيث لا يقدر تعالى عن هذا على ما يصرف ذلك العبد عن اختيار ما اختاره من الفعل أو الترك إلى اختيار ضدّه غفولاً عن قوله تعالى في سورة الكهف : « وَ لاَ تَقُولَنَّ لِشَىْ ءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَ لِكَ غَدًا * إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ »۲ وقوله تعالى في سورة لقمان : « وَ مَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا »۳ .
قال : فالناس مجبورون . [ ص۱۶۱ ح۲ ]
أقول : توهّم البصري من نفي تعلّق الاستطاعة بكلّ من الفعل والترك لزوم نفي تعلّق القدرة بكلّ منهما ، فيلزم الجبر لخفاء الواسعة ، ولما نفاه عليه السلام توهّم منه البصري التفويض إليهم فنفاه ، ولم يذكر عليه دليلاً اكتفاءً بما مرّ من قوله عليه السلام : «لأنّ اللّه عزّوجلّ أعزّ» فعرف أنّ بينهما واسطة .
قال عليه السلام : علم . [ ص۱۶۱ ح۲ ]
أقول : على صيغة المعلوم ، وفاعله هو اللّه .
قوله : «منهم فعلاً» أي علم اللّه تعالى من المكلّفين أنّهم يختارون فعل كذا إذا جعل فيهم أمر كذا ، فيصير الأمر آلة لفعلهم بدون أن يكونوا مجبورين ولا مفوّضين .
قال عليه السلام : بالاستطاعة . [ ص۱۶۲ ح۳ ]

1.الروم (۳۰) : ۲۸ .

2.الكهف (۱۸) : ۲۳ ـ ۲۴ .

3.لقمان (۳۱) : ۳۴ .

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
    المساعدون :
    الجليلي، نعمة الله؛ مهدي زاده، مسلم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 53661
الصفحه من 476
طباعه  ارسل الي