يعني أنّ احتجابه عن بصائر أُولي الأبصار ، واستتاره عن العقول والأنظار ليس من حيث خفائه في نفسه ؛ لأنّه أجلى الموجودات وأظهرها ، ولا من حيث مانع يحجبه أو ساتر يستره ؛ إذ لا حجاب بينه وبين خليقته إلاّ قصور غرائزهم ۱ الإمكانيّة الجوازيّة ، بل غاية ظهوره سبب بطونه ، ونهاية جلائه وفرط ظهوره منشأ خفائه واستتاره ، فهو من حيث هو ظاهر باطن ، ومن حيث هو متجلٍّ محجوب ، ومن حيث هو مشهور مستور .
قال قدس سره : [ عُرِفَ ] بغير رؤية . [ ص۲ ]
أقول : بالهمزة والتخفيف ، يريد نفي تعلّق الإبصار به ، وأمّا بدون الهمزة ومع التشديد بمعنى البرهان .
بالجملة ، إنّه تعالى ما لم يكن له سبب ولا جزء ، فلا برهان عليه ولا حدّ له ، بل إنّما يعلم من جهة الآثار والأفعال .
وأشار إلى الأوّل بنفي الرؤية ، وإلى الثاني بقوله : «وُصِفَ بغير صورة» . إذ حدّ الشيء هو الصورة المساوية لذاته ، وكلّ ما يوصف بحدٍّ لابدّ أن يكون له ماهيّة كلّيّة مركّبة من جنس وفصل ، والواحد الحقّ بسيط ، وجوده عين ذاته بلا ماهيّة ، فلا حدّ له ولا برهان عليه .
قال قدس سره : لا إله إلاّ اللّه . [ ص۳ ]
أقول : لمّا ذكر صفاته التقديسيّة التنزيهيّة ، خرج إلى فضاء المقصود والتحفة ، وأتى بكلمة التوحيد .
قال قدس سره : وابتعث الرسل . [ ص۳ ]
أقول : متعدٍّ إلى المفعول ، يقال : بعثه وابتعثه ، أي أرسله ۲ .