191
الرواشح السماوية

وحاصل الجواب أنّ الجواز معلوم من خارج ، والاستحباب أيضا معلوم من القواعد الشرعيّة الدالّة على استحباب الاحتياط في أمر الدين ، فلم يثبت شيء من الأحكام بالحديث الضعيف ، بل أوقع الحديث الضعيف شبهةَ الاستحباب فصار الاحتياط أن يعمل به . واستحباب الاحتياط معلوم من قواعد الشرع . ۱ انتهى قوله بعبارته .
قلت : ليتَه كان من الصحّة والاستقامة على سمت الجادّة وفي حريم السبيل فضلاً عن حصافة المتانة والصلوح للتعويل . أليس من المتّضح المنصرح أنّه إن رام بإيقاع الحديث الضعيف الشبهةَ إيقاعَه ۲ الوهمَ أو الشكّ ، كان على ما ادّعاه لكنّه غير مُجْدٍ ؛ إذ ليس ذلك موجبَ استحباب العمل أصلاً ، كما ليس وهم الجنابة أو النوم مثلاً والشكُّ في أحدهما بعد تيقّن الغسل أو الوضو يوجب استحباب ترك العمل باستصحاب حكم اليقين لتوهّم استحباب الاحتياط في الدين .
وإن رام به إيقاعَه ۳ العلمَ أو الظنَّ ، فهو أوّل المسألة وحريمُ النزاع ، بل من المستبين أنّه ليس كذلك ، ولو كان لكان يتمّ إثبات الحكم به ، والمفروض المتّفق على تسليمه وإذعانه خلافُه .
وأيضا في تسويغ الاحتياط مطلقا بحث مستمرّ ، وكلام دائر على ألسنة الفقهاء والأُصوليين .
وإذا قلنا بالتسويغ فذلك مختصّ بسبق ثبوت شغل الذمّة بالتكليف لدليل ناهض ومَدرك شرعي ، حتّى يكون الاحتياط لحصول البراءة والخروج عن العهدة على اليقين . والنظر هنا في أصل ثبوت الاستحباب بالحديث الضعيف ، والعمل بمقتضاه من بدو الأمر ، ولاخلاف في عدم جواز الاحتياط في الدين بالعمل بمقتضى الاحتمال الموهوم أو المشكوك فيه ابتداءً من غير نهوض دليل شرعي إجماعا .
وأيضا ، المباح إنّما يصير عبادةً بالنيّة إذا كان له من جهته المنويّة استحبابٌ ثابت

1.لم نعثر علي قائله .

2.ما أثبتناه هو الصحيح وفي النسخ : «إيقاعها» .


الرواشح السماوية
190

وقال بعض المعروفين بالتنطّع في العلوم النظريّة ممّن ظاهره المسير على مذهب الشافعي :
الذي يصلح للتعويل أنّه إذا وجد حديثٌ ضعيف في فضيلة عملٍ من الأعمال ولم يكن هذا العمل ممّا يحتمل الكراهة والحرمة فإنّه يجوز العمل به ويستحبّ ؛ لأنّه مأمون الخطر و مرجوّ النفع ؛ إذ هو دائر بين الإباحة والاستحباب ، فالاحتياط العمل به برجاء الثواب .
وأمّا إذا دار بين الحرمة والاستحباب ، فلاوجه لاستحباب العمل به .
وإذا دار بين الكراهة والاستحباب ، فمجال النظر فيه واسع ؛ إذ في العمل دغدغة الوقوع في المكروه ، وفي الترك مَظِنّة ترك المستحبّ . فلينظر إن كان خطر الكراهة أشدَّ ، بأن يكون الكراهة المحتملة شديدةً والاستحباب المحتمل ضعيفا ، فحينئذٍ يترجّح الترك على الفعل ، فلا يستحبّ العمل به . وإن كان خطر الكراهة أضعفَ ، بأن تكون الكراهة ـ على تقدير وقوعها ـ كراهةً ضعيفةً دون مرتبة ترك العمل على تقدير استحبابه ، فالاحتياط العمل به . وفي صورة المساواة يُحتاج ۱ إلى نظر تامٍّ ، والظنّ أنّه مستحبّ أيضا ؛ لأنّ المباحاتِ تصير بالنيّة عبادةً فكيف ما فيه شبهة الاستحباب لأجل الحديث الضعيف .
فجواز العمل واستحبابه مشروطان . أمّا جواز العمل ، فبعدم احتمال الحرمة . وأمّا الاستحباب ، فبما ذكرنا مفصّلاً
لكن بقي هاهنا شيءٌ وهو أنّه إذا عُدِم احتمال الحرمة فجواز العمل ليس لأجل الحديث ؛ إذ لو لم يوجد الحديث يجوز العمل ؛ لأنّ المفروض انتفاء الحرمة .
لا يقال : الحديث ينفي احتمال الحرمة ؛ لأنّا نقول : الحديث الضعيف لايثبت به شيء من الأحكام ، وانتفاء احتمال الحرمة يستلزم ثبوت الإباحة ، والإباحة حكم شرعي ، فلا يثبت بالحديث الضعيف . ولعلّ مراد النووي ما ذكرنا ، وإنّما ذكر جواز العمل توطئةً للاستحباب .

1.في «أ» : «نحتاج» .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    المساعدون :
    قيصريه ها، غلامحسين؛ الجليلي، نعمة الله؛ محمدي، عباس؛ رضا نقي، غلام
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1422 ق / 1380 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 85301
الصفحه من 360
طباعه  ارسل الي