213
الرواشح السماوية

ولقد أغرب مهذّب علومهم وعلاّمة علمائهم محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني ـ مع شدّة عتوّه في تعصّبه وفرط عناده في مذهبه ـ فيما صنع في كتاب الملل والنحل حيث قال في بيان أوّل شبهة وقعت في الخليقة ، ومَن مصدرُها في الأوّل ومَن مظهرها في الآخر :
اعلم أنّ أوّل شبهة وقعت في الخليقة : شبهة إبليسَ ، ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النصّ ، واختياره الهوى في معارضة الأمر ـ وساق القول في ذكرها إلى حيث قال ـ : إنّ الشبهاتِ الساريةَ في أذهان الناس كلّها ناشئة من شبهات اللعين الأوّل .
ـ ثمّ قال ـ : المقدّمة الرابعة في بيان أوّل شبهة وقعت في الملّة الإسلاميّة ، وكيف انشعابها ، ومَنْ مصدَرُها ، ومَنْ مُظهرها ؟ وكما قرّرنا أنّ الشبهات التي وقعت في آخر الزمان هي بعينها تلك الشبهات التي وقعت في أوّل الزمان ، كذلك يمكن أن نقرّر في زمان كلّ نبيٍّ ، ودور صاحب كلّ ملّة وشريعة : أنّ شبهات أُمّته في آخر زمانه ناشئة من شبهات خصماء أوّل زمانه من الكفّار والمنافقين ، وأكثرها من المنافقين وإن خفي علينا ذلك في الأُمم السالفة ؛ لتمادي الزمان .
فلم يخف من هذه الأُمّة أنّ شبهاتها كلَّها نشأت من شبهات منافقي زمن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ؛ إذ لم يرضوا بحكمه فيما يأمر وينهى . ـ وذكر حديث ذي الخوَيصِرة التميمي وساق البيان إلى أن قال ـ : والمنافقون يخادعون ، فيظهرون الإسلام ويبطنون النفاق ، وإنّما يظهر نفاقهم في كلّ وقت بالاعتراض على حركات النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وسكناته فصارت الاعتراضات كالبذور ؛ فظهرت منها الشبهات كالزروع .
ـ ثمّ ذكر اختلافات الواقعة في حال مرضه وبعد وفاته صلى الله عليه و آله وسلم بين الصحابة فقال ـ : فأوّل تنازع وقع في مرضه صلى الله عليه و آله وسلم فيما رواه محمّد بن إسماعيل البخاري بإسناده عن عبد اللّه بن عبّاس رضي اللّه عنه ، قال : لمّا اشتدّ بالنبيّ مرضه الذي توفّي فيه قال : «ائتوني بدواةٍ وقرطاس أكتبْ لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي» فقال عمر : إنّ رسول اللّه قد غلبه الوَجَع ، حسبنا كتابُ اللّه ، وكثر اللَغَطُ ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «قوموا عنّي لاينبغي عندي التنازع» .
قال ابن عبّاس : الرزيّة كلُّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللّه .


الرواشح السماوية
212

الاستفهام الإنكاري هناك مع ما قد جرى الحال عليه من المنع والردع من تمشية قول النبيّ صلى الله عليه و آله وعن امتثال أمره صلى الله عليه و آله بالإتيان بالدواة والقرطاس؟!
ثمّ مَن كان تصوّر مصيبة النبيّ صلى الله عليه و آله ـ مع حياته ـ يغيّر عليه الحالَ ، ويسلب عنه الاختيار إلى حيث يوقعه في إطلاق الهذيان على كلامه صلى الله عليه و آله ، والحيلولةِ بين الأُمّة وبين كتابه العاصم عن الضلال بعده ، ليتَه يكون بعد موته صلى الله عليه و آله والوقوعِ في فجيعة مأتمه ورزيّة فراقه مشدوها ۱ بعِظَم المصيبة عن تدبير الخلافة والسعيِ في سبيل تقمُّصها ، وبتجهيز الحبيب ودفنه وتسليته أصحاب مصيبته ، من عترته وحامّته وأهله وأولاده عن حضور السقيفة وطلب الرئاسة ، وتزوير البيعة لها وسلّ السيف عليها .
فأمّا ما قال ابن الأثير في نهايته :
منه حديث مرض النبيّ «قالوا : ما شأنه؟ أهَجَر؟» أي اختلف كلامه بسبب المرض ، على سبيل الاستفهام ، أي هل تغيّر كلامه واختلط لأجل ما به من المرض؟ هذا أحسن ما يقال فيه ، ولايُجعل ۲
فهو وإن كان أحسنَ من كلام النووي وغيره على ما قاله ؛ لكنّه أيضاً ليس ممّا ينفع عمر ويجديه أصلاً ؛ لأنّ تسويغ احتمال الفحش أو الهذيان في كلام النبيّ صلى الله عليه و آلهـ كما هو مقتضى مقام الاستفهام ـ يكفي في حروف المستفهم عنه عن حريم حرم الإسلام .
ثمّ مخالفة أمره وعصيان حكمه و مَنْعُ المأمورين من جنابه بالإتيان بالدواة والقرطاس عن الامتثال ـ مع ما قد نصّ على أنّه يريد أن يكتب لهم كتاباً يعصمهم عن الضلال ـ ممّا لاتسعه دائرة صلوح التأويل ، ولايحويه نطاق تجشّم الاعتذار .

1.أي مشغولاً .

2. إخباراً فيكونُ إمّا من الفحش أو الهذيان . والقائل كان عمر ولايُظنّ . في «أ» و «ب» : «لا تجعل» و «لا تظنّ» . به ذلك . النهاية في غريب الحديث والأثره : ۲۴۶ ، (ه . ج . ر) .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    المساعدون :
    قيصريه ها، غلامحسين؛ الجليلي، نعمة الله؛ محمدي، عباس؛ رضا نقي، غلام
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1422 ق / 1380 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86384
الصفحه من 360
طباعه  ارسل الي