215
الرواشح السماوية

يساهمونا في البضاعة ، أدركوا عصرنا من الدهر والمدّة ، ولم يلحقوا شَأْوَنا ۱ في التصلّب من العلم والحكمة تحريفاتٌ غريبة ، وتصحيفات عجيبة ، لفظيّة ومعنويّة ، في أفانين العلوم وطبقات الصناعات .
فلاجناح علينا لو تلونا طائفةً منها على أسماع المتعلّمين ؛ تبصيراً لبصائرهم في سبيل الدين ، وصيانةً لأحاديث سيّد المرسلين وأوصيائه الطاهرين عن شرور تصريفات الجاهلين ، وتصرّفات القاصرين .
فمنها : حديث ارتداد الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وله طرق عديدة عند العامّة ، أوردنا ما في صحاحهم منها في كتاب شرح التقدمة .
ومن طريق الخاصّة روى أبوبكر الحضرمي ، قال ، قال أبو جعفر عليه السلام :
ارتدّ الناس إلاّ ثلاثةَ نفر : سلمان ، وأبوذرّ ، والمقداد ، فقلت : فعمّار؟ قال : كان عمّار جاض جيضةً ، ثمّ رجع ـ ثمّ قال ـ : إن أردت الذي لم يشكّ ولم يدخله شيء فالمقداد . ۲
فيه روايتان : بالجيم والضاد المعجمة ، وبالحاء والصاد المهملتين ، كلاهما بمعنى الحُيُود ۳ والزيغ ، ۴ فصحّفه بعض المصحّفين من القاصرين بالحاء المهملة والضاد المعجمة .
ومنها : حديث التعرّب بعد الهجرة ـ للمستعاذِ منه ، المعدودِ من الموبقات ۵ الكبائر ـ وله طرق متعدّدة عامّيّةً وخاصّيّةً .
فمن طرقه عندنا ما رُوّيناه في الكافي ـ لرئيس المحدّثين ـ في الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن عبيد بن زرارة ، قال : سألت

1.في حاشية «ب» : «الشأو» بمعنى الحالة و الرتبة» . لاحظ لسان العرب ۷ : ۱۰ ، (ش . أ . و) .

2.رجال الكشّي : ۱۱ / ۲۴ .

3.«حاد عنه يحيد ، حيداً وحيداناً و محيداً وحُيودا وحيدَةً وحيدودةً : مال» . القاموس المحيط ۱ : ۳۰۰ ، (ح . ى . د) .

4.في حاشية «ب» : «الزيغ : أي العدول عن الحقّ» .

5.أي المهلكات. وفي «أ» : «موبقات».


الرواشح السماوية
214

والخلاف الثاني أنّه صلى الله عليه و آله وسلم قال : « جهّزوا جيش أُسامة ، لعن اللّه من تخلّف عنها» . فقال قوم : يجب علينا امتثال أمره ـ وأُسامة قد برز عن المدينة ـ وقال قوم : اشتدّ مرض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فلا تسع قلوبَنا مفارقتُه ، فنصبر حتّى نَبصرَ أيّ شيء ۱ يكون آخره . ۲ هذا كلام الشهرستاني بعبارته .
ويقرب منه ما قال الآمدي :
كان المسلمون عند وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم على عقيدة واحدة وطريقة واحدة إلاّ من كان يبطن النفاق ، ويظهر الوفاق . ثمّ نشأ الخلاف بينهم ، وذلك كاختلافهم عند قول النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم في مرض موته : «ائتوني بقرطاس أكتبْ لكم كتاباً لاتضلّوا بعدي» . حتّى قال عمر : إنّ النبيّ قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب اللّه . وكثر اللغَطُ في ذلك حتّى قال النبيّ : «قوموا عنيّ لاينبغي عندي التنازع» .
قلت : اللغَطُ ـ بإعجام الغين وإهمال الطاء وبالتحريك ـ : أصوات مبهمة غير مفهومة المعنى بضجّة وهُوْشة ، يقال : لغط القوم يلغطون لغَطاً ، وألغَطُوا يُلْغِطُون إلغاطاً . ومن بِدْع التصاحيف بحسب المعنى ماحكوه عن أبي موسى الأشعري أنّه قال : «نحن قوم لنشرف ، ونحن من عَنَزَةٍ صلّى إلينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله» . ۳ يريد بذلك ما روي «أنّه صلى الله عليه و سلم صلّى إلى عَنَزَةٍ» . وهي ـ بالتحريك ـ : حربةٌ أطول من العصا وأقصر من الرمح مثل نصفه أو أزيد من النصف يسيراً ، وفيها سنان كسنان الرمح ينصبها المصلّي بين يديه سُتَيْرةً ، فتوهّم أنّه صلى الله عليه و آله صلّى إلى قبيلتهم بني عنزة .
قالوا : وهذا تصحيف معنوي عجيب . ۴
ثمّ من تتمّات المقام أنّه قد وقعت من الذين شاركونا في الصناعة ، ولم

1.في «أ» و «ب» : «أيش يكون آخره» .

2.الملل والنحل ۱ : ۲۲ .

3.حكاه عنه مقدّمة ابن الصلاح : ۱۷۰ ؛ الخلاصة في أُصول الحديث : ۵۴ ـ ۵۵ ؛ مقباس الهداية ۱ : ۲۴۱ .

4.قاله الشهيد في شرح البداية : ۳۷ .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    المساعدون :
    قيصريه ها، غلامحسين؛ الجليلي، نعمة الله؛ محمدي، عباس؛ رضا نقي، غلام
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1422 ق / 1380 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86365
الصفحه من 360
طباعه  ارسل الي