261
الرواشح السماوية

وبالجملة : تعبير الثقة عمّن روى عنه ب «بعض أصحابنا» أو «بعض الثقات» أو «بعض الصادقين» أو شيء من أشباه ذلك لاينسحب عليه حكم الإرسال أصلاً .
وما قاله بعضهم : إنّه لابدّ من تعيينه وتسمِيَته لينظر في أمره هل أطبق القوم على تعديله ، أو تعارض كلامهم فيه ، أو سكتوا عن ذكره ؛ لجواز كونه ثقة عنده مجروحا عند غيره ممّا لايستند إلى أصل أصلاً . وأصالةُ عدم الجرح مع ثبوت التزكية بشهادة الثقة المزكّي تكفي في دفاع الاستضرار بذلك الاحتمال ، فليُتقَن .
وممّا يجب أن يعلم ، ولايجوز أن يُذهَل عنه : أنّ مَشْيَخة المشايخ الذين هم كالأساطين والأركان أمرهم أجلّ من الاحتياج إلى تزكية مزكٍّ ، وتوثيق موثّق . ولقد كنّا أثبتنا ذلك فيما قد أسلفناه بما لامزيد عليه .
ومن هناك قال بعض شهداء المتأخّرين في شرح بداية الدراية :
تعرف العدالة المعتبرة في الراوي بتنصيص عدلين عليها ، وبالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل أو غيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السالفين ، من عهد الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني ، وما بعده إلى زماننا هذا ، لايحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكية ، ولابيّنةٍ على عدالة ؛ لما اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم ، زيادةً على العدالة .
وإنّما يتوقّف على التزكية غير هؤلاء [من الرواة الذين لم يشتهروا بذلك ، ككثير ممّن سبق علي هؤلاء ] ۱ وهم طرق الأحاديث المدوّنة في الكتب غالبا . وفي الاكتفاء بتزكية الواحد العدل في الراوي قول مشهورلنا ولمخالفينا كما يكتفى به ـ أي بالواحد ـ في أصل الرواية .
وهذه التزكية فرع الرواية ، فكما لايعتبر العدد في الأصل فكذا في الفرع . ۲ انتهى كلامه .

1.ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر .

2.شرح البداية : ۷۲ .


الرواشح السماوية
260

ورواية الشيخ أبي جعفر الطوسي ، عن أبي الحسن بن أبي جِيد معدودة من الصحاح اتّفاقا . وكذلك رواية شيخه أبي عبد اللّه المفيد ، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، مع أنّه لم يَجْرِ لهما في كتاب الرجال ذكر أصلاً إلاّ في أضعاف الأسانيد ، وتضاعيف الطبقات . ونظائر ذلك كثيرة على ما قد علمت في سالفات الرواشح .
والشيخ الكشّي في كتابه بعد ما روى جملة ممّا يوجب القدح والغمز في محمّد بن سنان أثنى عليه ، فأردف تلك الجملة بما هذه صورة عبارته :
قال أبو عمرو : وقد روى عنه الفضل وأبوه ، ويونس ، ومحمّد بن عيسى العبيدي ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيان ، وأيّوب بن نوح ، وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم . ۱ انتهى عبارته .
فجعل رواية الثقات عنه في قوّة مدحه وتوثيقه والثناء عليه . ونظائر هذا الباب في كلامهم متكرّرة جدّا ، فإذا كان مجرّد رواية الثقة عن رجل على هذا السبيل فما ظنّك بقول الثقة : «عن بعض أصحابنا»؟
قال الشيخ المعظّم نجم أصحابنا المحقّقين ، أبوالقاسم الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي ـ رضي اللّه تعالى عنه ـ في مختصره ، المعروف بنهج المعارج في علم الأُصول ، في الفصل المعقود في مباحثَ متعلِّقةٍ بالمخبر :
المسألة الخامسة : إذا قال : «أخبرني بعض أصحابنا» أو : «عن بعض الإماميّة» ۲ يُقبل ، وإن لم يصفه بالعدالة ـ إذا لم يصفه بالفسوق ـ ؛ لأنّ إخباره بمذهبه شهادة بأنّه من أهل الأمانة ، ولم يعلم منه الفسوق المانع من القبول . فإن قال : «عن بعض أصحابه» ، لم يُقبل ؛ لإمكان أن يعني نسبتَه إلى الرواة أو إلى أهل العلم ، فيكون البحث عنه كالمجهول . ۳

1.رجال الكشّي : ۵۰۷ ـ ۵۰۸ / ۹۸۰ .

2.في المصدر : «وعنى الإماميّة» .

3.معارج الأُصول : ۱۵۱ .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    المساعدون :
    قيصريه ها، غلامحسين؛ الجليلي، نعمة الله؛ محمدي، عباس؛ رضا نقي، غلام
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1422 ق / 1380 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 85292
الصفحه من 360
طباعه  ارسل الي