277
الرواشح السماوية

الموضوع

وهو المختلَق المصنوع ، وهذا شرّ أقسام الضعيف ، ولايحلّ للعالم بحاله أن يرويه إلاّ مقرونا ببيان موضوعيّته ، بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل الصدق ، حيث جوّزوا روايتها في الترغيب والترهيب من غير ذكر ضعفها .
فالأخبار على ثلاثة ضروب :
ضرب يجب تصديقه وهو ما نصّ الأئمّة على صحّة وروده .
وضرب يجب تكذيبه وهو ما نصّوا على وضعه .
وضرب يجب التوقّف فيه ؛ لاحتماله الأمرين ، كسائر الأخبار .
ولايجوز الإفراط في نقل أخبار الآحاد والانقياد لكلّ خبر ، كما هو مذهب الحشويّة ؛ إذ في الأخبار موضوعات بتّةً ؛ لأنّ من جملتها قولَ النبيّ صلى الله عليه و آله : «ستَكثر بعدي القالةُ عليَّ» . وفي رواية : «سيُكذب عليَّ بعدي» . ۱
وقولَ أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام : «إنّ لكلّ رجل منّا رجلاً يَكذب عليه» . ۲ فإن كان مثل ذلك صحيحا ثابتا فيثبت الوضع ، وإن كان موضوعا مكذوبا فذاك .
ويُعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه بالوضع ، أو ما يُنَزِّل منزلة الإقرار من قرينة الحال الدالّة على الوضع والاختلاق ، فبإقراره يحكم على ذلك الحديث ، بحسب ظاهر الشرع ، بما يحكم على الموضوع في نفس الأمر ، وإن لم يكن يحصل بذلك حكم قطعي باتٌّ بالوضع ؛ لجواز كذبه في إقراره .
وقد يعرف أيضا بركاكة ألفاظ المرويّ وسخافة معانيها وما يجري مجرى ذلك ، كما قد يحكم بصحّة المتن ـ مع كون السند ضعيفا ـ إذا كان فيه من أساليب الرزانة وأفانين البلاغة ، وغامضات العلوم وخفيّات الأسرار ، ما يأبى إلاّ أن يكون صدوره

1.رواه الخلاصة في أُصول الحديث : ۷۴ .

2.قريب منه في رجال الكشّي : ۲۲۶/۴۰۴ .


الرواشح السماوية
276

وإمّا بالإبدال بأجودَ وأثبتَ منه ، ليكون مرغوبا فيه ، كإبدال «ابن الغضائري» ـ مثلاً وهو أحمد بن الحسين ـ بأبيه الحسين بن عبيد اللّه ، وهما جميعا ثقتان ثَبَتان ، ولكنّ الحسين أوجه وأوثق وأضبط وأثبت ، وكنحو حديث مشهور من طريق العامّة عن سالم جُعِل عن نافع ؛ ليُرْغَبَ فيه . ۱
أو بالقلب سهوا كحديث يرويه محمّد بن أحمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، ومثله محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبيه أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن يحيى ، فينقلب الإسم ، وكثيرا مّا يتّفق ذلك في أسناد التهذيب ، وقد يقع في أسناد الاستبصار أيضا .
وربما وقع هذا القلب من العلماء لامتحان بعضهم بعضا في الحفظ والضبط .
قال الطيبي :
وكذلك ما رُوّينا أنّ البخاري قدم بغداد فاجتمع قوم من أصحاب الحديث ، وعمدوا إلى مائة حديث فقلّبوا متونها وأسانيدها ، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخَرَ ، وإسنادَ هذا المتن لمتن آخر ، ثمّ حضروا مجلسه وألقوها عليه ، فلمّا فرغوا من إلقائها التفت إليهم فردّ كلّ متن إلى إسناده ، وكلَّ إسناد إلى متنه فأذعنوا له بالفضل . ۲
وقد يكون القلب في المتن ، كحديث السبعة الذين يُظلّهم اللّه في عرشه ، وفيه : «ورجل تصدّق بصدقةٍ فأخفاها حتّى لاتَعلم يمينه ما ينفق شماله» . ۳
فهذا ممّا انقلب على بعض الرواة ، وإنّما أصله : «حتّى لايعلم شماله ما ينفق يمينه» كما هو الوارد في الأُصول المعتبرة .

1.رواه في مقدّمة ابن الصلاح : ۸۱ ؛ الخلاصة في أُصول الحديث : ۷۳ . «عن سالم جُعل عن نافع» مثّل بذلك ؛ لأنّ كلاًّ من سالم ونافع من طبقة واحدة .

2.الخلاصة في اُصول الحديث : ۷۳ ـ ۷۴ .

3.صحيح مسلم ۲ : ۷۱۵ ، ح ۱۰۳۱ ، الباب ۳۰ .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    المساعدون :
    قيصريه ها، غلامحسين؛ الجليلي، نعمة الله؛ محمدي، عباس؛ رضا نقي، غلام
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1422 ق / 1380 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86301
الصفحه من 360
طباعه  ارسل الي