41
الرواشح السماوية

يريد نفي كونه مدرَكا لغيره بنحو من الأنحاء الثلاثة . والبرهان عليه : أنّ كلّ ما له صورة مساوية لحقيقته فهو محتمل الشركة بين كثيرين ، واللّه منزّه عن المثل والشريك . وممّا ورد في الحديث : «إنّ اللّه احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار» . ۱ «وإنّ الملأ الأعلى يطلبونه كما أنتم تطلبونه» . ۲
ثمّ المدرَك بالحسّ لايخلو من حيّز ومقدار ، وإليه أشار بقوله : (ولايحيط به مقدار) ؛ لتنزّهه عن الجسميّة ومايكنفها .
قوله : (عجزت دونه العبارة) .
أي تَحْتا من عزّه ، وعن دون من مجده ، فضلاً عنه وعن مرتبة جلاله .
أو بمعنى «عنده» وقريبا منه ، وكذلك : (وكلّت دونه الأبصار) . والمراد الأبصار العقلانيّة فما ظنّك به بالنسبة إلى الأبصار الجسمانيّة!؟
(وكلّت دونه الأبصار) .
بفتح الألف ، أي قصرت دون وصفه عبارة البلغاء ، وحسرت عن إدراكه أبصار البصراء .
قوله : (وضلّ فيه تصاريف الصفات) .
أي ضلّ في طريق نعته نعوت الناعتين ، وصفات الواصفين ، بفنون تصاريفها ، وأنحاء تعبيراتها ، أي كلّما حاولوا أن يصفوه بأجلّ ما عندهم من صور الصفات الكماليّة ، وأعلى ما في عقولهم من مفهومات النعوت الجماليّة . فإذا نظروا إليه وحقّقوا أمره ظهر لهم أنّ ذلك دون وصف جلاله وإكرامه ، وسوى نعُوت جماله وإعظامه ، ولم يصفوه بما هو وصْفه ، ولم ينعتوه كما هو حقّه ، بل رجع ذلك إلى وصف أمثالهم وأشباههم من الممكنات ، كما في الحديث المشهور عن الباقر عليه السلام :

1.تحف العقول : ۲۴۵ ، من حكم سيّد الشهداء عليه السلام في التوحيد .

2.بحار الأنوار ۶۶ : ۲۹۲ .


الرواشح السماوية
40

مقدوره لتعلّق الإرادة به ، فكانت ذاته مستكملةً بذلك المرجّح ؛ لحصول أولويّة لها بسببه ، وإلاّ لم يفعل به ، وكلّ مُستكمل بغيره ناقص في ذاته ، واللّه منزَّه عن النقصان .
وأيضا إذا كانت المشيّة زائدةً عليه ، يلزم في ذاته تعالى جهتا قوّةٍ وفعلٍ ، وحيثُ إمكانٍ ووجوبٍ ، فلم يكن واحدا حقّا .
وأشار إلى نفي الزيادة بقوله : (متوحّدا بذلك ؛ لإظهار حكمته ، وحقيقة ربوبيّته) .
يعني خلق ما شاء حالَ كونه وحدانيّا ذاتا وصفةً ؛ إذ لم يخلق إلاّ لإظهار علمه بالنظام الأكمل الذي هو حقيقةُ إلهيّته وربوبيّته لالغاية أُخرى وداعٍ آخَرَ يدعوه إلى الخلق والإيجاد .
قوله : (متوحّدا بذلك ؛ لإظهار حكمته ، وحقيقة ربوبيّته) .
فهو سبحانه بصِرف كنه ذاته الأحديّة الحقّة هو الجاعل التامّ للنظام الجملي ، الفاضلِ المنبعث عن نفس مرتبة ذات الجاعل المفيض كلَّ ذات وكلّ كمالِ ذات ، والمعطي كلَّ وجود وكلّ كمال وجود .
وبما أنّ كنه ذاته هو بعينه علمه التامّ بالنظام الأتمّ الأكمل ، فهو بنفس مرتبة ذاته الغايةُ والعلّة الغائيّة الكماليّة للنظام ، وغاية الغايات ، والغاية الأخيرة ، والعلّة الغائيّة الأُولى الحقيقيّة لكلّ ذات ووجودٍ من الذوات والوجودات التي هي أجزاء النظام ، وسوف نراك في ذلك كلّه على استبصار إن شاء اللّه العزيز العليم .
قوله : (لاتضبطه العقول ، ولاتبلغه الأوهام ، ولاتدركه الأبصار) .
الإدراك على ثلاثة أقسام ؛ لأنّه عبارة عن حضور شيء عند المدارك ، وهو إمّا جسماني ، أو مفارق عن الأجسام . والمفارق إمّا مفارق بالكلّيّة عنها ، أو متعلّق بها مضاف إليها .
فالأوّل : هو المحسوس ، وإدراكه بالحسّ ، وأقوى أقسامه وأجلاها هو البصر .
والثاني : هو المعقول ، وإدراكه بالعقل .
والثالث : هو الموهوم ، وإدراكه بالوهم .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    المساعدون :
    قيصريه ها، غلامحسين؛ الجليلي، نعمة الله؛ محمدي، عباس؛ رضا نقي، غلام
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1422 ق / 1380 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 85235
الصفحه من 360
طباعه  ارسل الي