65
الرواشح السماوية

الرضاء بقضاء اللّه ، والتفويض إلى اللّه ، والتسليم لأمر اللّه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : علماءُ حكماءُ كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياءَ ، إن كنتم صادقين فلاتبنوا ما لاتسكنون ، ولا تجمعوا مالا تأكلون ، واتّقوا اللّه الذي أنتم إليه ترجعون . ۱
ومن طريق الكافي في كتاب الحجّة بسنده عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبداللّه عليه السلامأنّه قال للزنديق الذي سأله : من أين أثبتَّ الأنبياءَ والرسل؟ :
إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً ، لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولايلامسوه ، فيباشرهم ويباشروه ، ويحاجّهم ويحاجّوه ، ثبت أنّ له سفراءَ في خلقه ، يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم ، وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، والمعبّرون عنه جلّ وعزّ ، وهم الأنبياء عليهم السلاموصَفوته من خلقه ، حكماءَ مؤدَّبين بالحكمة مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس ـ على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ـ في شيء من أحوالهم مؤيَّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ، ثمّ ثبت ذلك في كلّ دهر وزمان ، ممّا أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين ؛ لكيلا تخلوَ أرض اللّه من حجّة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته ، وجواز عدالته . ۲
قوله : (قال : وفيهم جرى قوله : فمستقَرّ ومستودَع) .
بفتح القاف والدال ، على أنّهما اسما مكانٍ على قراءة الكوفيّين والحجازيّين . أي فمنكم محلّ استقرار العلم والحكمة فيه ، وموضع ثَبات اليقين والإيمان ، ومنكم موضع استيداع ذلك .
وأمّا البصريّان ، فإنّما قراءتهما «مستقِرّ» ـ بكسر القاف ـ على أنّه اسم فاعل ، و«مستودَع» ـ بفتح الدال ـ على أنّه اسم مفعول .
وابن كثير ۳ أيضاً ذلك سبيله ؛ لأنّ الاستقرار منّا دون الاستيداع أي فمنكم قارّ في

1.التوحيد : ۳۷۱ ، باب القضاء والقدر . . . ، ح ۱۲ .

2.الكافي ۱ : ۱۶۸ ، باب الاضطرار إلى الحجّة ، ح ۱ .

3.انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير ۲ : ۱۶۰ ، ذيل الآية ۹۸ من الأنعام .


الرواشح السماوية
64

فاز ـ مع الخواصّ النبويّة ـ بدرجة الختميّة ، فعلى ما قد قاله شريكنا السالف شيخ فلاسفة الإسلام في إلهيّات الشفاء ۱ كاد يصير ربّا إنسانيّاً ، يكاد ۲ أن تحلّ عبادته بعد طاعة اللّه تعالى ، وهو سلطان ساهرة العالم الأرضي ، وخليفة اللّه فيها ، ودرجةُ عقله القدسي المستكمل بالفعل عالماً عقليّاً ـ وهو آخر سلسلة العود إلى مبدإ الوجود ، ومَعاده تعالى شأنه ـ درجةَ أكرم المبدَعات أعني العقل الذي هو أوّل سلسلة البدو في الصدور عنه جلّ سلطانه .
فلعلّه صلى الله عليه و آله لحاظاً لذلك قال مرّة : «أوّل ما خلق اللّه العقل» . ۳ وأُخرى : «أوّل ما خلق اللّه نوري» ۴ وتتلو مرتبتَه في عرض تلك الدرجة مرتبةُ وصيّه وخليفته وحافظِ دينه عليه الصلاة والسلام ؛ فلذلك قال صلى الله عليه و آله : «أنا وعليّ من نور واحد» . ۵
وما أوردناه ـ من عرض الحكمة وشمولها المراتبَ جميعاً ـ قد وردت به الأخبار عن أصحاب القدس والعصمة عليهم السلام ، فمن طريق الكافي في كتاب الإيمان والكفر ، ۶ ومن طريق الصدوق ، عروة الإسلام ، أبي جعفر بن بابويه رضي اللّه تعالى عنه في كتاب الخصال ، ۷ وفي كتاب التوحيد جميعاً في الصحيح عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمّد بن عذافر ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
بينا رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله في بعض أسفاره إذ لقيه رَكْب ، فقالوا : السلام عليك يا رسول اللّه ، فقال : ما أنتم؟ فقالوا : نحن مؤمنون يا رسول اللّه ، فقال : فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا :

1.الشفاء ۱ : ۴۴۱ ـ ۴۴۲ .

2.في حاشية «أ» و «ب» : «ت¨كاد» : تذكيره بحسب عوده إلى الشخص النبيّ ، أو باعتبار مدخوله الذي هو الجملة التي هي «أن تحلّ عبادته» . وتأنيثه باعتبار العبادة» .

3.مشارق أنوار اليقين : ۳۹ ؛ بحارالأنوار ۲۵ : ۲۲ ، ح ۳۸ ؛ الأنوار النعمانيّة ۱ : ۱۴ .

4.بحارالأنوار ۲۵ : ۲۲ ، ح ۳۸ حكاه عن رياض الجنان ولم نظفر عليه .

5.عوالي اللآلئ ۴ : ۱۲۴ ، ح ۲۱۱ ؛ مشارق أنوار اليقين : ۳۹ ـ ۴۰ ؛ بحار الأنوار ۳۹ : ۲۶۶ ، ح ۴۰ بتفاوت يسير في الأخيرين .

6.الكافي ۲ : ۵۲ ـ ۵۳ ، باب حقيقة الإيمان واليقين ، ح ۱ .

7.كتاب الخصال : ۱۴۵ ، ح ۱۷۵ ، باب الثلاثة .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    المساعدون :
    قيصريه ها، غلامحسين؛ الجليلي، نعمة الله؛ محمدي، عباس؛ رضا نقي، غلام
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1422 ق / 1380 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86363
الصفحه من 360
طباعه  ارسل الي