147
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

المناهج الروائية عند شريف المرتضي
146

الفوارق المنهجية بين التخصيص والنسخ

بعدما عرفنا موارد التخصيص والنسخ ، فالآن لابدَّ من التمييز بينهما ، يقول الشريف المرتضى قدس سرهفي هذا المجال : «إنّ التخصيص في الشريعة يقع بأشياء لا يقع النسخ بها ، والنسخ يقع بأشياء لايقع التخصيص بها :
فالأوّل: القياس وأخبار الآحاد عند من ذهب إلى العبادة بهما.
والثاني: نسخ شريعة باُخرى وفعل بفعل ، وإن كان التخصيص لا يصلح في ذلك». ۱

خبر الواحد عند الشيعة

في هذه الجولة الصغيرة سوف نستعرض وجهات نظر بعض الأعلام قبل الشريف المرتضى قدس سرهلمعرفة المسير التاريخي لنظرية خبر الواحد.
يقول الشيخ المفيد قدس سره ـ وهو من مشايخ الشريف المرتضى قدس سره ـ : «لا يجوز
تخصيص العام بخبر الواحد ؛ لأنّه لا يوجب علما ولا عملاً ، وإنّما يخصّه من الأخبار ما انقطع العذر بصحّته عن النبيّ صلى الله عليه و آله وعن أحد الأئمّة عليهم السلام ». ۲
وهذا نصّ صريح من الشيخ المفيد قدس سره يفيد أنّه لا يرى العمل بخبر الواحد أصلاً علما وعملاً ، كما يأتي ذلك من تلميذه المرتضى قدس سره.
ويعلّل الشيخ المفيد قدس سره عدم عمله بخبر الواحد قائلاً : « والحجّة في الأخبار ما اُوجبه العلم من جهة النظر فيها بصحّة مخبرها ، ونفي الشكّ فيه والارتياب ، وكلّ خبر لا يوصل إلى صحّة مخبره فليس بحجّة في الدين، ولا يلزم به عمل على حال». ۳
ولكن الشيخ المفيد قدس سره يحدد معالم خبر الواحد وشروط قبوله ، فيقول: «فأمّا خبر الواحد القاطع العذر فهو الّذي يقترن اليه دليل يفضي بالناظر فيه إلى العلم بصحّة مخبره ، وربّما كان الدليل حجّة من عقل، وربّما كان شاهدا من غرق، وربّما كان إجماعا بغير خلف، فمتى خلا خبر الواحد من دلالة يقطع بها على صحّة مخبره، فإنّه ـ كما قدّمناه ـ ليس بحجّة، ولا موجب علما ولا عملاً على كلّ وجه». ۴
فالخبر الحجّة عند الشيخ المفيد قدس سره هو المعلوم صحّة مخبره وهو لأجل:
1 . العقل 2 . العرف 3 . الإجماع.
هذه بعض نكت الشيخ المفيد قدس سره جئنا بها ؛ لأجل رفع استيحاش الوحدة الّتي مني بها رأي الشريف المرتضى قدس سره، بل يصرّح الشيخ المفيد قدس سره بأنّ عدم العمل بأخبار الآحاد كان مختار جمهور الشيعة، فيقول: «لا يجب العلم ولا العمل في شيء من أخبار الآحاد، ولا يجوز لأحد أن يقطع بخبر الواحد في الدين ، إلاّ أن يقترن به مايدلّ على صدق راويه على البيان .
وهذا مذهب جمهور الشيعة وكثير من المعتزلة والمحكمة ، وطائفة من المرجئة ، وهو خلاف لما عليه متفقهة العامّة وأصحاب الرأي ». ۵
فهذا نصّ صريح في نسبة المنع من العمل بأخبار الآحاد إلى جمهور الشيعة وقبالهم أهل السنّة.
وهناك نصوص كثيرة ميدانية اجتهادية نشهدها في الفقه الاستنباطي للشيخ المفيد قدس سرهتصبّ كلّها في مصبّ واحد ، وهو سلب الحجّية العلمية والعملية من خبر الواحد .
ثمّ يأتي بعده الشريف المرتضى قدس سره وهو يمثل قمة الرفض في موضوع خبر الواحد ، وقد نقلناه جميع ما يتعلّق بخبر الواحد ، وقد ادعى الإجماع على عدم حجّية الخبر الواحد . وإن قال بإمكان التعبد بخبر الواحد عقلاً ولم ير ذلك أمرا مستحيلاً. وقد نقلنا كلّ ذلك بصورة مفصّلة في الفصل السابق ، والّذي يهمّنا في هذا البحث هو : تركيز الشريف المرتضى قدس سره في موارد متعددة على نسبة عدم العمل بخبر الواحد إلى الطائفة الشيعية ، يقول في هذا المجال : « إنّا نعلم علما ضروريا لا ينحل في مثله ريب ولا شكّ ، أنّ علماء الشيعة الإمامية يذهبون إلى أنّ أخبار الآحاد لا يجوز العمل بها في الشريعة ، ولا التعويل عليها ، وأنّها ليست بحجّة ولا دلالة .
وقد ملؤوا الطوامير وسطروا الأساطير في الاحتجاج على ذلك ، والنقص على مخالفيهم .
ومنهم من يزيد على هذه الجملة ويذهب إلى أنّه مستحيل من طريق العقول أن يتعبد اللّه تعالى بالعمل بأخبار الآحاد.
ويجري ظهور مذهبهم في أخبار الآحاد مجرى ظهوره في إبطال القياس في
الشريعة وخطره وتحريمه ، وأكثرهم يحظر القياس والعمل بأخبار الآحاد عقلاً .
وإذا كان الأمر على ما ذكرناه من الظهور والتجلي ، فكيف يتعاطى متعاطي ضربا من الاستدلال في دفع هذا المعلوم ، إلاّ كمن تكلّف وضع كلام في أنّ الشيعة الإمامية لاتبطل القياس في الشريعة أو لاتعتقد النصّ على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة. ۶
ثمّ يقول الشريف المرتضى قدس سره: «فلمّا كان هذا كلّه معلوما اضطرارا لم يجز الالتفات إلى من يتعاطى استدلالاً على خلافه ، ولم يبق بعد ذلك إلاّ أنّ هؤلاء الّذين علمنا واضطررنا إلى اعتقادهم فساد العمل بخبر الآحاد ، إنّما عملوا بها في كتبهم وعوّلوا عليها في مصنّفاتهم لأحد أمرين : أمّا الغفلة ، أو العناد واللعب بالدّين ، وما في ذلك إلاّ ماهم مرفوعون عنه ومتنزهون عن مثله ». ۷
ويقول في موضع آخر : « إنّ أصحابنا كلّهم سلفهم وخلفهم ومتقدّمهم ومتأخّرهم يمنعون من العمل بأخبار الآحاد ومن القياس في الشريعة ، ويعيبون أشد عيب الذاهب إليهما، والمتعلّق في الشريعة بهما ، حتّى صار هذا المذهب ـ لظهوره وانتشاره ـ معلوما ضرورة منهم، وغير مشكوك فيه من المذاهب». ۸
وهناك نصوص كثيرة تؤكّد على ذلك. ۹

1.الذريعة إلى اُصول الشريعة : ج ۱ ص ۲۳۶.

2.التذكرة باُصول الفقه ( سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ج ۹ ص ۳۸.

3.المصدر السابق : ص ۴۴.

4.المصدر السابق : ص ۴۴ ـ ۴۵.

5.أوائل المقالات في المذاهب والمختارات : ص ۱۴۲.

6.جوابات المسائل التبانيات : ص ۲۴ ـ ۲۵ ( رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الاُولى ).

7.المصدر السابق : ص ۲۵.

8.جوابات المسائل الموصليات الثالثة : ص ۲۰۳ ( رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الاُولى).

9.انظر: المصدر السابق : ص ۲۱۱. وأيضا: مسألة في إبطال العمل بأخبار الآحاد : ص ۳۰۹ ( رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الثالثة).

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 76276
الصفحه من 358
طباعه  ارسل الي