155
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

المناهج الروائية عند شريف المرتضي
154

جواز التعبد بخبر الواحد وعدمه عقلاً

يتطرّق الشريف المرتضى قدس سره في هذا المبحث إلى فذلكة المسألة من الناحية الكلامية ، ويذكر أنّ بعض المتكلّمين يذهب إلى أنّ خبر الواحد لا يجوز من جهة العقل ورود العبادة بالعمل به .
ولكن الشريف المرتضى قدس سره ، يقول: « والصحيح أنّ ذلك جائز عقلاً ، وإن كانت العبادة ماوردت به». ۱
ثمّ يقيم الشريف المرتضى قدس سره ثلاثة أدلّة على جواز ورود العبادة بالعمل بخبر الواحد ، ولا استحالة في ذلك ، وملخّصها مايلي :
الدليل الأوّل : إنّ خبر الواحد يمكن أن يكون طريقا إلى معرفة الأحكام ، وأنّه يجري في جواز كونه دلالة مجرى الأدلّة الشرعية كلّها من كتاب وسنة وإجماع، وإنّما جاز أن يكون لخبر الواحد دلالة بأن يدلّ القرآن أو السنّة على وجوب العمل به ، إذا كان المخبر به على صفة مخصوصة. ۲
ويتنبه الشريف المرتضى قدس سره إلى مطلب مهم في البين ، وهو : أنّ خبر الواحد مختلف وجه دلالته ، ولكنه يرجع وجه هذا الاختلاف وصورته إلى نفس الاختلاف في وجه ودلالة الكتاب والإجماع ، ويؤكّد على أنّ هذا الاختلاف في دلالاتها لم يخرجها عن كونها أدلّة. ۳
الدليل الثاني : وهو دليل نقضي ، يقول : إنّ العمل في كثير من العقليات قد يتبع غلبة الظن ، فما المانع عن مثل ذلك في الشرعيات ؟ ! ۴
الدليل الثالث : وهو دليل حلي ، يقول: إنّه ورد التعبد بقبول بعض العبادات مثل
قبول الشهادات وغيرها ، وهي من باب واحد. ۵
ثمّ يقيم الشريف المرتضى قدس سره سبعة أدلّة على منع جواز التعبد بالخبر الواحد، ۶ وكلّها أدلّة أشبه ما تكون عقلية ، تناسب مسالك البحوث الكلامية ، وتقدّم أنّ بعض المتكلّمين كان يذهب إلى أنّ خبر الواحد لا يجوز من جهة العقل .
ولا بأس بالإشارة إلى الأوّل منها ، وهو: أنّ الشرائع لا تكون إلاّ مصالح لنا ، وبخبر الواحد لا نعلم أنّ ذلك مصلحة ، ولا نأمن كونه مفسدة. ۷
وهذا أشبه مايكون بالدليل المنطقي القائم على صغرى وكبرى ونتيجة .
ويردّ الشريف المرتضى قدس سره كبرى القياس بقضية لا تخلو من أمرين ، فيقول : « الشرائع لابدَّ من كونها مصالح على ما ذكرتم، ولابدَّ من طريق للمكلّف إلى العلم بذلك ، إمّا على الجملة أو التفصيل ، فإذا دلّ الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد إذا كان على صفة وإذا غلب في الظن صدقه علمنا كون ما اُخبر به صلاحا ، وأمنا من الإقدام على المفسدة ، كما نعلم كون قطع يد السارق عند البينة أو الإقرار صلاحا ولولا ذلك لكان مفسدة ، وتنتقض أيضا هذه الطريقة بالشهادات إذا عمل بها في الحدود». ۸
ثمّ يقول الشريف المرتضى قدس سره ـ في مسألة عدم تخطئة العامل بخبر الواحد ـ : « إنّ أخبار الآحاد ممّا لم تقم دلالة شرعية على وجوب العمل بالأقلّ ولا القطع العذر بذلك ، وإذا كان خبر الواحد لا يوجب عملاً ، فإنّما يقتضي إذا كان راويه على غاية العدالة ظنا ، فالتجويز لكونه كاذبا ثابت ، فالعمل بقوله يقتضي الإقدام على ما يعلم قبحه .
فأمّا الاستدلال على أنّ الحجّة ثابتة بقبول أخبار الآحاد، بألاّ نكفر من خالفنا في بعض الأحكام الشرعية من الإمامية ولا يخرج عن موالاته، فلا شبهة في بعده ، لإنّا لا نكفر ولا نرجع عن موالاة من خالف من أصحابنا في بعض الشرعيات، وإن اُستند في ذلك المذهب إلى التقليد، أو يرجع فيه إلى شبهة معلومة بطلانها.
ولم يدلّ عدولنا عن تكفيره وتمسكنا بموالاته على أنّ التقليد الّذي تمسك به واعتمد في مذهبه ذلك عليه حقّ ، وأنّ فيه الحجّة ، فكذلك ماظنه السائل .
وبعد، فلو كنّا إنّما عدلنا عن تكفيره وأقمنا على موالاته من حيث استند من أخبار الآحاد إلى ما قامت الحجّة في الشريعة، لكنّا لا نخطئه ، ولا نأمره بالرجوع عمّا ذهب إليه ؛ لأنّ من عوّل في ذهب على ما فيه الحجّة ولا يشتمل عليه. ۹
بل يصرّح أكثر من ذلك بأنّ العلماء الّذين عليهم المعوّل ، ويدرون ما يأتون به وما يذرون ، ولا يجوزون أن يحتجّوا بخبر واحد لا يوجب علما ، ولا يقدر أحد أن يحكي عنهم في كتابه ولا غيره خلاف ما ذكرناه. ۱۰

1.الذريعة إلى اُصول الشريعة : ج ۲ ص ۵۱۹.

2.المصدر السابق : ص ۵۲۰.

3.المصدر السابق.

4.المصدر السابق : ص ۵۲۲.

5.المصدر السابق .

6.المصدر السابق .

7.المصدر السابق : ج ۲ ص ۵۲۲ .

8.المصدر السابق : ص ۵۲۴ ـ ۵۲۵.

9.مسألة عدم تخطئة العامل بخبر الواحد : ص ۲۶۹ ـ ۲۷۰ ( رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الثالثة ) .

10.جوابات المسائل الموصليات الثالثة : ص ۲۱۱ ( رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الاُولى).

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 76290
الصفحه من 358
طباعه  ارسل الي