273
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

المناهج الروائية عند شريف المرتضي
272

المنطق الروائي في تقييم الرواة

المنطق الروائي الوارد عن أهل العصمة عليهم السلام خير سبيل إلى معرفة وجلاء كثير من الإبهامات العلمية ؛ لأنّ روايات أهل العصمة عليهم السلام هي المنبع الصافي والعين الزلال في المعارف الإلهية والفقهية وبالخصوص ما يطرحه أهل البيت عليهم السلام في تقييم الرواة وسند الأخبار.
ومن هنا ينطلق الشريف المرتضى قدس سره لتقييم بعض الرواة ، وبالتالي إضافة القداسة على أقوالهم ومعتقداتهم ، فقد وردت بعض الإشكالات على بعض رواة الشيعة وحملة أخبار الشيعة فردّها الشريف المرتضى قدس سره بمنهج أخباري بارع.
حيث أكّد القاضي عبدالجبّار المعتزلي على قضية مهمّة يتوخّى من ورائها الإطاحة بالمذهب الشيعي ، وهي : أنّ أكثر من نصر المذهب الإمامي كان قصده الطعن في الدّين والإسلام ، واتّخذ ذريعة إلى القدح فيهما، ومثالاً على ذلك الراوي الجليل والمفكّر الإمامي العظيم هشام بن الحكم الشيباني من أصحاب الإماميين
الصادق والكاظم عليهماالسلام ، فقد اتّهمه بالتجسيم ، وبحدوث العلم ، وبجواز البداء والجبر إلى غير ذلك ممّا لايصحّ معه التوحيد ، وما يتّصل بتكليف ما لا يطاق ، ولا يصحّ معه التمسّك بالعدل. ۱
وقد استاء الشريف المرتضى قدس سره من هذا الإتهام الّذي ذكره القاضي عبدالجبّار وما نسبه إلى شيخه أبي علي ، واعتبره عدول عن النظر والحجاج ، وإنّما هو قذف وسباب وافتراء . . . .
ولا يعتبر هذا نقضا لأصل المقالة ، ولا قادحا في صحّة النحلة ، وقلّما يستعمل ذلك إلاّ عند نفاذ الحجّة وقلّة الحيلة ـ على حدّ تعبير الشريف المرتضى قدس سره ـ ۲ .
ويتمسّك ببراءة هشام من هذا القذف والتهمة ، مستدلاًّ بعدّة روايات:
أحدها: ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : «لا تزال يا هشام مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك» .
ثانيها: قول الصادق عليه السلام ـ أيضا ـ : ـ حين دخل عليه وعنده مشايخ الشيعة ، فرفعه على جماعتهم ، وأجلّه إلى جانبه في المجلس ، وهو إذ ذاك حديث السن ـ : «هذا ناصرنا بقلبه ويده ولسانه» .
وهكذا يتسلل في منهجيته الروائية إلى ذكر رواية ثالثة ورابعة ؛ ليزيل هذه الشبهة الصادرة الّتي أطاحت بهشام بن الحكم وتراثه الروائي العقائدي.
يقول الشريف المرتضى قدس سره: «فكيف يتوهّم عاقل ـ مع ما ذكرناه ـ على هشام هذا القول بأنّ ربّه سبعة أشبار بشبره؟!
وهل ادّعاء ذلك عليه ـ رضوان اللّه عليه ـ مع اختصاصه المعلوم بالصادق عليه السلام وقربه منه ، وأخذه عنه إلاّ قدح في أمر الصادق عليه السلام ونسبة له إلى المشاركة في
الاعتقاد الّذي نحلوه هشاما؟! وإلاّ كيف لم يظهر عنه من التنكير عنه والتبعيد له ما يستحقّه المقدّم على هذا الاعتقاد المنكر والمذهب الشنيع؟!». ۳
فاعتبر الشريف المرتضى قدس سره التوثيق الروائي أوّلاً الملاك في جلالة الرجل ، بل اعتبر أنّ الجرح فيه جرح في الإمام الصادق عليه السلام وقدح فيه ، وقد صرّح الشريف المرتضى قدس سرهبهذه الجهة أكثر قائلاً : «وما قدّمناه من الأخبار المروية عن الصادق عليه السلام ، وما كان يظهر من اختصاصه به ، وتقريبه له ، واجتبائه إيّاه من بين صحابته يبطل كلّ ذلك ، ويزيّف حكاية روايته». ۴
ثمّ بعد أن يردّ واحدا واحدا من ادّعاءات القاضي عبدالجبّار المعتزلي بلغة علمية من التجسيم وحدوث العلم والجبر يذكر إشكال جواز البداء على هشام بن الحكم ، بأنّ هشاما وأكثر الشيعة قولهم قول المعتزلة بعينه في النسخ في المعنى ؛ لاتحاد مرادهم في هذه المسألة ، وإنّما الخلاف الواقع بينهم في تلقّبه بالبداء ؛ للأخبار الّتي رووها الشيعة ، فيقول الشريف المرتضى قدس سره: «ولا معتبر في الألفاظ والخلاف فيها». ۵
بهذا الاُسلوب يدافع عن أحد رواة أهل البيت عليهم السلام ، ويتّخذ منهجية روائية من كلامهم عليهم السلام ؛ للذبّ عنه ، ومن ثَمّ يوجه الضربة النهائية إلى أبي علي الجبائي ( شيخ القاضي عبدالجبّار ) بأنّه يملي آرائه بكلّ تحامل وعصبية ، وأنّ هذه الحكايات ككثيرها لم تنقل من جهة الثقة ، وإنّما المرجع فيها إلى قول الخصوم المتّهمين ، الّتي لم يحفل بهم ولم يلتفت اليها. ۶
ولا نرى الشريف المرتضى قدس سره يطرح خبر الواحد هنا ، وأنّه لا يعمل به ، لا لأجل أنّ هذا عدول عن مذهبه ، بل مشهورية هذه الروايات بين الطائفة الإمامية هو الّذي
دعاه لأن ينتصر للرجل ، ويصحح عقيدته ومذهبه الكلامي.
ومن اللطيف في البين : أنّ الروايات الّتي رواها هي مروية عن الطائفة الإمامية الشيعية ، فهو يريد أن يلمّح أنّ الشيعة الإمامية تعتقد بآراء هذا الرجل وتوثّقه ، وتجعل رأيه هو السند في انطلاقتها العقائدية ؛ فإنّ إمامهم الصادق عليه السلام أكّد على وثاقة الرجل ، وحسن سيرته ، وبالتبع هو قبول لآرائه ، وتصحيح لاعتقاداته ، فالشيعة تأخذ بآراء الرجل وجلالته ، وبالتبع تتبع منهجه وعقيدته وطرقه العقائدية ، فعقيدة هذا الرجل هي عقيدة الشيعة وهكذا العكس.

1.المغني في أبواب التوحيد والعدل ( القسم الأوّل ) : ج ۲۰ ص ۳۸ .

2.الشافي في الإمامة : ج ۱ ص ۸۳.

3.المصدر السابق : ص ۸۶.

4.المصدر السابق : ص ۸۷.

5.المصدر السابق.

6.المصدر السابق .

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 76355
الصفحه من 358
طباعه  ارسل الي