277
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

البحوث السندية في التراث العقائدي

من الأدلّة الاعتقادية الأدلّة الروائية والأخبار السمعية ، وهي لابدّ من البحث حول سنداها وطرقها ، ولا يفوت الشريف المرتضى قدس سره أن يبحث هذه الأخبار برقة ، وله نظريات رجالية جميلة تنم عن إحاطته في هذا الباب ، وسوف نستعرض قسم منها ، وقد استعرضنا في كلّ فصل قسم من هذه التحقيقات الرجالية ، وهنا نذكر البعض الآخر ، وهي:
منها : الأخبار الّتي استشهد بها على إمامة أبي بكر كقول النبيّ صلى الله عليه و آله لأبي بكر: «اتركو إلي أخي... » ، أو قوله صلى الله عليه و آله : «لو كنت متخذاً خليلاً... »، أو قوله صلى الله عليه و آله : «اقتدوا باللذينِ...». ۱
يقول الشريف المرتضى قدس سره : « إنّ الإضراب عن ذكرها وترك تعاطي الانتصاف من المستدلّين بخبر الغدير لها استر على موردها».
ولكنه مع ذلك كلّه يتعرّض إلى سنداتها ومقدار صحّتها ، فيقول: « إنّهم طعنوا في
رواية الخبر ، بأنّ راويه عبدالملك بن عمير ، وهو من شيع بني اُمية ، وممّن تولّى القضاء لهم ، وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت أيضا ظنيناً في نفسه وأمانته.
وروي إنّه كان يمرّ على أصحاب الحسين بن علي عليهماالسلام وهم جرحى فيجهز عليهم ، فلمّا عوتب على ذلك قال: إنّما اُريد أن اُريحهم». ۲
ومنها : ما ينقله القاضي عبدالجبّار عن شيخه أبي علي بأنّ هناك أخبارا اُخر يمكن أن يستدلّ بها على إثبات خلافة أبي بكر ، وهي ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله إنّه قال في أبي بكر وعمر: «هذان سيّدا كهول أهل الجنّة».
ولا يفوت أبو علي أن يقيد ذلك بأنّهما سيّدا من يدخل الجنّة من شباب الدنيا. ۳
ويردّه الشريف المرتضى قدس سره ، قائلاً :
1 . إنّ هذا الخبر موضوع في أيّام بني اُمية ؛ لأجل أن يعارض الخبر الآخر الوارد في الحسنين عليهماالسلام: «إنّهما سيدا شباب أهل الجنة» . ۴
ويتّضح من خلال هذا الرد الجزئي أنّ زمان بني اُمية هو زمن معارضة فضائل أهل البيت عليهم السلام ، وهذا ليس بغريب ؛فإنّ معاوية ـ لعنه اللّه تعالى ـ وضع من الأحاديث قبال فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ما لا يخفى على من سبر التاريخ والأخبار.
2 . ويخدش الشريف المرتضى قدس سره بإسناد هذا الخبر ؛ فإنّ راويه عبيداللّه بن عمر ، وحاله ومواقفه معروفة في أهل البيت عليهم السلام . ۵

1.الشافي في الإمامة : ج ۲ ص ۳۰۶ ـ ۳۰۷ ، المغني في أبواب التوحيد والعدل ( القسم الأوّل ) : ج ۲۰ ص ۱۵۱ .

2.الشافي في الإمامة : ج ۲ ص ۳۰۷ ـ ۳۰۸.

3.المصدر السابق : ص ۹۳.

4.المصدر السابق : ص ۱۰۶.

5.المصدر السابق.


المناهج الروائية عند شريف المرتضي
276

النقطة الثانية

يتعرّض الشريف المرتضى قدس سره إلى بعض الأخبار النبوية الّتي حاطتها بعض الشبهات كقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «سترون ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر ، لا تضامون في رؤيته» . ۱
فقد تبادر إلى الذهن إلى أنّ هذا الخبر مشهور لا يمكن تضعيفه ونسبته إلى الشذوذ؟
يجيب الشريف المرتضى قدس سره: وأمّا هذا الخبر فمطعون عليه ، ومقدوح في راويه ؛ فإنّ راويه قيس بن أبي حازم ، وقد كان خولط في عقله في آخر عمره مع استمراره على رواية الأخبار.
وهذا قدح لا شبهة فيه ؛ لأنّ كلّ خبر مروي عنه لا يعلم تاريخه يجب أن يكون مردوداً ؛ لأنّه لا يؤمن من أن يكون ممّا سمع منه في حال الاختلال ، وهذه في قبول الأخبار وردها ينبغي أن يكون أصلاً ومعتبراً فيمَن علم منه الجرح ولم يعلم تاريخ
ما نقله عنه .
على أنّ قيساً لو سلم من هذا القدح لكان مطعونا فيه من وجه آخر ، وهو : أنّ قيس بن أبي حازم كان مشهوراً بالنصب والمعاداة لأميرالمؤمنين ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ ، والانحراف عنه ، وهو الّذي قال: رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام على منبر الكوفة يقول: «انفروا إلى بقية الأحزاب» فبغضه حتّى اليوم في قلبي .
إلى غير ذلك من تصريحه بالمناصبة والمعاداة ، وهذا قادح لا شكّ في عدالته ».
ثمّ وجّه الشريف المرتضى قدس سره الإشكال في هذا الخبر بتوجيه مقبول ، ثمّ يرد على بعض الإبهامات والتساؤلات في أبعاد الخبر. ۲

1.مسند أبي عوانة : ج ۱ ص ۳۷۶.

2.تنزيه الأنبياء والأئمّة عليهم السلام : ص ۲۰۹ ـ ۲۱۰ .

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 76310
الصفحه من 358
طباعه  ارسل الي