279
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

المناهج الروائية عند شريف المرتضي
278

الخبر المتواتر والنصّ الجلي في المسائل العقائدية

تحتاج المسائل العقائدية إلى حصول العلم والقطع ؛ فانَّ الاُصول أساسها هو
الاطمئان ونبذ الشكّ والريب ، والتواتر عملية علمية ناجحة ، وقد اُخذ به في كثير من المسائل.
يقول الشريف المرتضى قدس سره في هذا المجال: «إنّ الأخبار على ضربين:
1 . ضرب لا يعتبر في نقله بالأسانيد المتّصلة كالأخبار عن البلدان والحوادث العظام.
2 . والضرب الآخر يعتبر فيه اتصال الأسانيد». ۱
وفي هذا المجال يصحح الشريف المرتضى قدس سره خبر غدير خم عندما قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ » .
فلمّا أجابوه بالإقرار، رفع بيد أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال ـ عاطفاً على كلامه الأوّل ـ : «فمن كنت مولاه فهذا مولاه» .
فأتى صلى الله عليه و آله وسلم بكلام ثانٍ يحتمل لفظه معنى الجملة الاُولى الّتي قدمها ، وإن كان محتملاً لغيره، فوجب أن يريد باللفظة المحتملة المعنى المصرّح به في الكلام المتقدّم الّذي قرره صلى الله عليه و آله .
وإذا أوجب صلى الله عليه و آله وسلم كونه أولى بهم من أنفسهم فهو إيجاب لطاعته ونفوذ أمره فيهم ، وهو تصريح بنصّ الإمامة.
يقول الشريف المرتضى قدس سره : « فإن قيل: دلّوا على صحّة الخبر ، ثمّ على أنّ لفظة «مولى» يحتمل «الأولى».
ثمّ على أنّ المراد في الخبر بهذه اللفظة هو «الأولى» دون سائر الأقسام.
ثمّ على أنّ فائدة «أولى» ترجع إلى معنى الإمامة.
قلنا: أمّا العلم بصحّة هذا الخبر فهو كالعلم بسائر الاُمور الظاهرة من الحوادث
والغزوات، وحجّة الوداع نفسها، فإن كان العلم به ضرورياً على ما قطع عليه قوم فالخبر بالغدير مثله، وكلّ من خالط أهل الأخبار وسمع الروايات لا يفرّق في وقوع العلم له بين جميع ما ذكرناه.
وبعد، فالشيعة الإمامية تتواتر خلفاً عن سلف بهذا الخبر، وأكثر رواة أصحاب الحديث يرويه بالأسانيد المتّصلة، وجميع أصحاب السير نقلوه، ومصنّفو صحيح الأحاديث ذكروه ، فقد شارك هذا الحديث الأخبار الظاهرة واستبدّ بما ليس لها ». ۲
وبعد هذه الضابطة المتقدّمة من الشريف المرتضى يقول قدس سره:
وأيضاً فإنّ علماء الاُمة مطبقون على قبوله، وإنّما اختلفوا في تأويله، وما فيهم من دفعه وتشكك فيه». ۳
وكذلك يؤكّد الشريف المرتضى قدس سره على المعنى السابق ، ويشير إلى مصطلح : « النصّ الجلي » في نصوص اُخرى وردت عن النبيّ صلى الله عليه و آله تنصّ على أنّ المولى أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة ، واستخلافه على الاُمة ، حيث قال صلى الله عليه و آله وسلم: «هذا خليفتي من بعدي» .
واُخرى: «سلموا عليه بأمرة المؤمنين» وما جرى مجرى ذلك من الفاظ النصّ الصريح الّذي يسميه الشيعة: «جلياً».
يقول الشريف المرتضى قدس سره: «وقد علمنا أنّ الشروط الّتي ذكرناها في الخبر الصدق حاصلة فيهم ، بل في أهل بلد واحد من بلدانهم ؛ فانّهم قد بلغوا في الكثيرة إلى حد لا يجوز معه أن يتّفق منهم الكذب عن مخبر واحد ، ولا أن يتواطأ على الكذب عنه ؛ لأنّ كثرتهم تحيل ذلك ؛ ولأنّهم لو تواطؤوا مع بعد الدِّيار بالمكاتبات والمراسلات لظهر ذلك وعرف وما خفي ، لا سيّما مع تتبع أعدائهم لهم ، وتنفيرهم
عن أحوالهم ، وطلبهم لمعايبهم». ۴
ويتطرّق الشريف المرتضى قدس سره إلى خبر غدير خم وتنصيب المولى أمير المؤمنين عليه السلام مرّة اُخرى ؛ لأنّه من أوضح الأدلّة على إمامته عليه السلام ، وقد ورد متواتراً بجميع طبقاته ، ولا يمكن لأحد إنكاره بسهولة، حيث إنّه احتل هذا الحديث القسم الكبير في المغني ، وكذا في الشافي ، قال القاضي عبدالجبّار:
«دليل لهم آخر من طريق السنّة ، قالوا : قد ثبت عنه صلى الله عليه و آله يوم الغدير خم ما يدلّ على أنّه نصّ على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة ؛ لأنّه مع الجمع العظيم في ذلك المقام قام فيهم خطيباً ، فقال: «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ » .
فقالوا: اللّهم ، نعم.
فقال ـ بعد إشارة إليه ـ : «فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهم وال من ولاه ،وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله» حتّى قال عمر بن الخطاب له: بخ بخ أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ».
ثمّ قال القاضي عبدالجبّار: «ولا يجوز أن يريد بقوله: «من كنت مولاه» إلاّ ما تقتضيه مقدّمة الكلام ، وإلاّ لم يكن لتقديمها فائدة، فكأنّه صلى الله عليه و آله قال: فمن كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به ؛ لتكون المقدّمة مطابقة كما تقدّم ذكره ، وما قصد إليه من الذكر بعد المقدّمة يكون مطابقاً لها ، وقد علمنا أنّه لم يرد بقوله: «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم» إلاّ في الطاعة والاتباع والانقياد ، فيجب فيما عطف عليه أن يكون هذا مراده به ، وذلك لا يليق إلاّ بالإمامة». ۵
ثمّ يقرر القاضي عبدالجبّار المعتزلي الخبر بعدة وجوه ، كلّها صالحة للاستدلال على إمامة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، مضافاً إلى تقريره الأوّل ، ويترك الشريف
المرتضى قدس سرهتقريرات القاضي عبدالجبّار من دون يمسّها بإشكال وتأمّل ، ويذكر الوجه المعتمد عنده في ترتيب الخبر.
ثمّ يذكر الدلالة على صحّة الخبر ، وأنّ لفظة «مولى» محتملة للاُولى ، وأنّه أحد أقسام ما يحتمله ، ثمّ إنّ المراد بهذه اللفظة في الخبر هو الاُولى دون سائر الأقسام ، ثمّ أنّ الأولى تفيد معنى الإمامة.
هذا هو العرض المختصر لسند الخبر ودلالته ، ويذكر الشريف المرتضى قدس سرهعدّة مطارحات فكريّة حول الخبر ، يتّضح من كلّ منها طريقة منهجية في فكر الشريف المرتضى قدس سره:

1.الذخيرة في علم الكلام : ص ۴۴۳.

2.الذخيرة في علم الكلام: ص ۴۴۲ ـ ۴۴۳.

3.الذخيرة في علم الكلام: ص ۴۴۲ ـ ۴۴۳.

4.الذخيرة في علم الكلام : ص ۴۶۳.

5.المغني في أبواب التوحيد والعدل ( القسم الأوّل ) : ج ۲۰ ص ۱۴۴ .

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 76303
الصفحه من 358
طباعه  ارسل الي