95
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

تمهيـد

الفقه الموجود والموروث عن الشريف المرتضى قدس سره هو فقه الخلاف لا المقارن ۱ وقمّته هو كتابا الانتصار و مسائل الناصريات ، وفقدنا من فقهه كتابا المصباحو الخلاف، والظاهر أنّهما من أروع الكتب حسب الموصفات الّتي يطرحها الشريف المرتضى قدس سرهبين الآونة والاُخرى في بحوثه الفقهية حول هذين الكتابين ، وحسبما نقل من نصوص من هذين الكتابين .
ولا نبخس الشريف المرتضى قدس سره حقّه في باقي رسائله الفقهية ( الّتي طبعت في مجموعة رسائله ) فبين ثناياها أروع النصوص الاجتهادية والحاسة الفقاهتية .
والّذي يهمّنا في هذا الفصل هو إلقاء نظرة منهجية إلى التراث الروائي الفقهي ومقدار معطياته ومساحته وأبعاده وأساليبه وطرقه مقتصرين على كتابيه المتقدّمين ، وما أودعه في ثنايا رسائله المختصّ منها بالتراث الفقهي.
وقبل أن ندرس منهج الكتابين الانتصار والناصريات لابدَّ من طرح سعة أبعاد الكتابين ؛ لنحيط ـ بعض الشيء ـ بمساحة وعي الشريف المرتضى قدس سره ، ونلم بالجوانب الفقهية والتاريخية بهذين الكتابين ، كلّ ذلك بنحو الاختصار :
يحمل كتاب الانتصار في طيّاته نوعا من الشموخ الفقهي الإمامي ، فهو يصادر النتيجة لوعيه الفقهي ، ويجعل الفقه الإمامي والإمامية وآراءهم وفتواهم ـ الّتي انفردوا بها ، وصارت سببا لتشنيع المخالفين ـ وهو الفقه المؤيد بالدليل والبرهان ، وأنّ بحثهم الاستدلالي معتمد على أسمى الادلّة الاجتهادية والأنظار الدقيقة ، والرؤى الثاقبة والّتي استطاعت أن تثبت حقّيتها وصحّتها ، ويقول الشريف المرتضى قدس سره في مقدّمة كتابه : «فإنّي ممتثل . . . بيان المسائل الفقهية الّتي شنع بها على الشيعة الإمامية ، وأدعي عليهم مخالفة الإجماع وأكثرها موافق فيه الشيعة غيرهم من العلماء والفقهاء المتقدّمين أو المتأخّرين ، وما ليس لهم فيه موافق من غيرهم فعليه من الأدلّة الواضحة والحجج اللائحة ما يغني عن وفاق الموافق ، ولا يوحش معه خلاف المخالف ، وأن اُبين ذلك وأفصله وأزيل الشبهة المعترضة فيه». ۲
هذه هي خلاصة خطّة الكتاب وما يحتويه جميع أبعاده . والشريف المرتضى قدس سرهيصرّ ببسالة على أنّ الشناعة إنّما تجب في المذهب الّذي لا دليل عليه يعضده، ولا حجّة لقائله فيه ، فهو ينطلق من ركيزة يصحّ على أساسها أن ينجح في أطروحته هذه حتّى أنّه يؤكد على سمو فكره وشموخه حيث يقول: «فأمّا ماعليه دليل يعضده وحجّة تعمده فهو الحقّ اليقين ، ولا يضرّه الخلاف فيه ، وقلّة عدد القائل به ، كما لا ينفع في الأوّل الاتفاق عليه ، وكثرة عدد الذاهب إليه ، وإنّما يسأل الذاهب إلى مذهب عن دلالته على صحّته وحجّته القائدة له إليه لا عمّن يوافقه فيه أو يخالفه». ۳
هذه هي الركيزة في سمو ذات الشريف المرتضى قدس سره في بحثه الاستدلالي ، وله مناحي اُخرى في دعامته الفكرية ، والّتي يأتي تفصيلها في هذا الفصل بغية الإحاطة ببعض معالم مدرسته والروائية منها بالخصوص . هذا بالنسبة إلى كتاب الانتصار.
أمّا بالنسبة إلى مسائل الناصريات فإنّ دائرة البحث تتضيق ويقع السِّجال بين المذهب الإمامي والزيدي بالخصوص ، ولكنّه في مطاوي البحث يحتوي جلّ الخلافات الفقهية على مستوى المذاهب الاُخرى ، فإنّ الكتاب هو المسائل المنتزعة من فقه جدّه الناصر ـ من جهة والدته رحمها اللّه ـ الذي يعبر عنه الشريف المرتضى قدس سرهبالفاضل البارع كرم اللّه وجهه .
يقول الشريف المرتضى قدس سره في خاتمة الكتاب : «ولم نورد فيما اعتمدناه إلاّ ما هو طريق للعلم وموجب لليقين إلاّ ما استعملته في خلال ذلك من ذكر الأخبار الّتي ينقلها الفقهاء ويتداولونها في كتبهم ، محتجّين بها دون الأخبار الّتي تنقلها الشيعة الإمامية .
وإنّما أوردنا هذه الاخبار ـ وهي واردة من طريق الآحاد ، ولا علم يحصل عندها بالحكم المنقول ـ على طريق المعارضة للخصوم ، والاستظهار في الاحتجاج عليهم بطرقهم واستدلالاتهم ، كما فعلناه مثل ذلك في كتابنا مسائل الخلاف، وإن كنّا قد ضمّنا في ذلك الكتاب إلى الاحتجاج على المخالفين لنا بأخبار الآحاد الاحتجاج عليهم بالقياس على سبيل المعارضة لهم». ۴
وأكّد في مواضع عديدة من كتبه على هذه القضية : «ويجوز أن نعارض مخالفينا ونلزمهم على اُصولهم أن يرجعوا به عن مذاهبهم ، وإن لم يكن على سبيل الاستدلال منّا ، بالخبر الّذي يرويه... [و ]هذا الخبر ليس بدليل لنا في هذه المسألة ، فيلزمنا أن يكون مطابقا للمذهب ، وإنّما أوردناه على سبيل الإلزام والمعارضة». ۵
ومن خلال البحث المركّز على هذين الكتابين تتضح المدرسة المنهجية في فقه الشريف المرتضى قدس سرهذاكرين ذلك على نقاط ، ومذيلينها بشواهد ليأنس القارئ ،
ويخرج البحث من جفافه ووعره .

1.لا يخفى أنّ الفقه المقارن: هو جمع آراء الفقهاء في شتى المسائل الفقهية على صعيد واحد من دون إجراء موازنة بينها ، أمّا الخلاف فهو جمع الآراء الفقهية المختلفة وتقييمها والموازنة بينها بالتماس أدلّتها ، وترجيح بعضها على بعض .

2.الانتصار : ص ۷۶.

3.المصدر السابق .

4.المصدر السابق : ص ۱۴۴ .

5.مسائل الناصريات: ص ۴۴۶.


المناهج الروائية عند شريف المرتضي
94
  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 76280
الصفحه من 358
طباعه  ارسل الي