483
شهر الله في الكتاب و السنّة

ولَو دَلَّ مَخلوقٌ مَخلوقاً مِن نَفسِهِ عَلى مِثلِ الَّذي دَلَلتَ عَلَيهِ عِبادَكَ مِنكَ ، كانَ مَوصوفاً بِالإِحسانِ ، ومَنعوتاً بِالاِمتِنانِ ، ومَحموداً بِكُلِّ لِسانٍ ، فَلَكَ ۱ الحَمدُ ما وُجِدَ في حَمدِكَ مَذهَبٌ ، وما بَقِيَ لِلحَمدِ لَفظٌ تُحمَدُ بِهِ ، ومَعنىً يَنصَرِفُ إلَيهِ ، يا مَن تَحَمَّدَ إلى عِبادِهِ بِالإِحسانِ وَالفَضلِ ، وغَمَرَهُم بِالمَنِّ وَالطَّولِ ۲ ، ما أفشى فينا نِعمَتَكَ ، وأسبَغَ عَلَينا مِنَّتَكَ ، وأخَصَّنا بِبِرِّكَ ، هَدَيتَنا لِدينِكَ الَّذِي اصطَفَيتَ ، ومِلَّتِكَ الَّتِي ارتَضَيتَ ، وسَبيلِكَ الَّذي سَهَّلتَ ، وبَصَّرتَنَا الزُّلفَةَ ۳ لَدَيكَ ، وَالوُصولَ إلى كَرامَتِكَ .
اللّهُمّ وأنتَ جَعَلتَ مِن صَفايا تِلكَ الوَظائِفِ ، وخَصائِصِ تِلكَ الفُروضِ شَهرَ رَمَضانَ الَّذي اختَصَصتَهُ مِن سائِرِ الشُّهورِ ، وتَخَيَّرتَهُ مِن جَميعِ الأَزمِنَةِ وَالدُّهورِ ، وآثَرتَهُ عَلى كُلِّ أوقاتِ السَّنَةِ بِما أنزَلتَ فيهِ مِنَ القُرآنِ وَالنّورِ ، وضاعَفتَ فيهِ مِنَ الإِيمانِ ، وفَرَضتَ فيهِ مِنَ الصِّيامِ ، ورَغَّبتَ فيهِ مِنَ القِيامِ ، وأجلَلتَ فيهِ مِن لَيلَةِ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن ألفِ شَهرٍ .
ثُمَّ آثَرتَنا بِهِ عَلى سائِرِ الاُمَمِ ، وَاصطَفَيتَنا بِفَضلِهِ دونَ أهلِ المِلَلِ ، فَصُمنا بِأَمرِكَ نَهارَهُ ، وُقمنا بِعَونِكَ لَيلَهُ مُتَعَرِّضينَ بِصِيامِهِ وقِيامِهِ لِما عَرَّضتَنا لَهُ مِن رَحمَتِكَ ، وتَسَبَّبنا إلَيهِ مِن مَثوبَتِكَ . وأنتَ المَليءُ بِما رُغِبَ فيهِ إلَيكَ ، الجَوادُ بِما سُئِلَت مِن فَضلِكَ ، القَريبُ إلى مَن حاوَلَ قُربَكَ .
وقَد أقامَ فينا هذا الشَّهرُ مُقامَ حَمدٍ ، وصَحِبَنا صُحبَةَ مَبرورٍ ، وأربَحَنا أفضَلَ أرباحِ العالَمينَ ، ثُمَّ قَد فارَقَنا عِندَ تَمامِ وَقتِهِ وانقِطاعِ مُدَّتِهِ ، ووَفاءِ

1.في نسخة : «كان محموداً فلك الحمد ...» .

2.الطَوْل : الفضل والعلوّ على الأعداء (النهاية : ۳ / ۱۴۵) .

3.الزلفى : القربى والمنزلة (مجمع البحرين : ۲ / ۷۷۸) .


شهر الله في الكتاب و السنّة
482

مُتاجَرَتِهِم لَكَ ، وفَوزَهُم بِالوِفادَةِ عَلَيكَ وَالزِّيادَةِ منِكَ ، فَقُلتَ تَبارَكَ اسمُكَ وتَعالَيتَ : «مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا»۱ وقلتَ : «مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَ لَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَمنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنمـبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَـعِفُ لِمَن يَشَآءُ»۲ وقُلتَ : «مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَـعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً»۳ وما أنزَلتَ مِن نظائِرِهِنَّ ۴ فِي القُرآنِ مِن تَضاعيفِ الحَسَناتِ .
وأنتَ الَّذي دَلَلتَهُم بِقَولِكَ مِن غَيبِكَ وتَرغيبِكَ الَّذي فيهِ حَظُّهُم عَلى ما لَو سَتَرتَهُ عَنهُم لَم تُدرِكهُ أبصارُهُم ، ولَم تَعِهِ أسماعُهُم ، ولَم تَلحَقهُ أوهامُهُم ، فَقلتَ : اذكُروني أَذكُركُم وَاشكُرُوا لي ولا تَكفُرونِ ۵ وقُلتَ : «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ »۶ وقُلتَ : «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ »۷ فَسَمَّيتَ دُعاءَكَ عِبادَةً وتَركَهُ استِكباراً ، وتَوَعَّدتَ عَلى تَركِهِ دُخولَ جَهَنَّمَ داخِرينَ ، فَذَكَروكَ بِمَنِّكَ ، وشَكَروكَ بِفَضلِكَ ، ودَعَوكَ بِأَمرِكَ ، وتَصَدَّقوا لَكَ طَلَباً لِمَزيدِكَ ، وفيها كانَت نَجاتُهُم مِن غَضَبِكَ ، وفَوزُهِم بِرِضاكَ .

1.الأنعام : ۱۶۰ .

2.البقرة : ۲۶۱ .

3.البقرة : ۲۴۵ .

4.النظائر : جمع نظير ، وهو المثل والشبه (النهاية : ۵ / ۷۸) .

5.إشارة إلى قوله تعالى : « فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُواْ لِى وَ لاَ تَكْفُرُونِ » (البقرة : ۱۵۲) .

6.إبراهيم : ۷ .

7.غافر : ۶۰ .

  • نام منبع :
    شهر الله في الكتاب و السنّة
    المساعدون :
    الافقي، رسول
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1424 ق / 1382 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 175648
الصفحه من 628
طباعه  ارسل الي