127
نبيّ الرّحمة من منظار القران و أهل البيت

ويَحذَرُ النَّاسَ ويَحتَرِسُ مِنهُم مِن غَيرِ أن يَطوِيَ عَن أحَدٍ بُشرَهُ ولا خُلُقَهُ ، ويَتَفَقَّدُ أصحابَهُ ، ويَسألُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ ، ويُحَسِّنُ الحَسَنَ ويُقَوِّيهِ ، ويُقَبِّحُ القَبيحَ ويوهِنُهُ . مُعتَدِلَ الأَمرِ غَيرَ مُختَلِفٍ ، لا يَغفُلُ مَخافَةَ أن يَغفُلوا أو يَمَلُّوا ، ولا يُقَصِّرُ عَنِ الحَقِّ ، ولا يَجوزُهُ الَّذينَ يَلونَهُ مِنَ النَّاسِ ، خِيارُهُم أفضَلُهُم عِندَهُ ، وأعَمُّهُم نَصيحَةً لِلمُسلِمينَ وأعظَمُهُم عِندَهُ مَنزِلَةً أحسَنُهُم مُواساةً ومُؤازَرَةً.
قالَ : فَسَأَلتُهُ عَن مَجلِسِهِ ، فَقالَ : كانَ صلى الله عليه و آله لا يَجلِسُ ولا يَقومُ إلاَّ عَلى ذِكرٍ ، ولا يوطِنُ الأَماكِنَ ويَنهى عَن إيطانِها ، وإذَا انتَهى إلى قَومٍ جَلَسَ حَيثُ يَنتَهي بِهِ المَجلِسُ ويأمُرُ بِذلِكَ ، ويُعطي كُلَّ جُلَسائِهِ نَصيبَهُ حَتَّى لا يَحسَبُ أحَدٌ مِن جُلَسائِهِ أنَّ أحَدا أكرَمُ عَلَيهِ مِنهُ ، مَن جالَسَهُ صابَرَهُ حَتَّى يَكونَ هُوَ المُنصَرِفَ عَنهُ ، مَن سَألَهُ حاجَةً لَم يَرجِع إلاَّ بِها أو بِمَيسورٍ مِنَ القَولِ ، قَد وَسِعَ النَّاسَ مِنهُ خُلُقُهُ ، وصارَ لَهُم أبا رَحيما وصاروا عِندَهُ فِي الحَقِّ سَواءً ، مَجلِسُهُ مَجلِسُ حِلمٍ وحَياءٍ وصِدقٍ وأمانَةٍ ، لا تُرفَعُ فيهِ الأَصواتُ ، ولا تُؤبَنُ فيهِ الحُرَمُ ، ولا تُثَنَّى ۱ فَلَتاتُهُ ، مُتَعادِلينَ مُتَواصِلينَ فيهِ بِالتَّقوى مُتَواضِعينَ ، يُوَقِّرونَ الكَبيرَ ويَرحَمونَ الصَّغيرَ ، ويُؤثِرونَ ذَا الحاجَةِ ، ويَحفَظونَ الغَريبَ.
فَقُلتُ : كَيفَ كانَ سيرَتُهُ في جُلَسائِهِ؟ فَقالَ : كانَ دائِمَ البِشرِ ، سَهلَ الخُلُقِ ، لَيِّنَ الجانِبِ لَيسَ بِفَظٍّ ولا غَليظٍ ولا صَخَّابٍ ولا فَحَّاشٍ ولا عَيَّابٍ ولا مَزّاحٍ ولا مَدَّاحٍ ، يَتَغافَلُ عَمَّا لا يَشتَهي ، فَلا يُؤيِسُ مِنهُ ، ولا يُخَيِّبُ فيهِ مُؤَمِّليهِ . قَد تَرَكَ نَفسَهُ مِن ثَلاثٍ : المِراءِ وَالإِكثار وما لا يَعنيهِ ، وتَرَكَ النَّاسَ مِن ثَلاثٍ : كانَ لا يَذُمُّ أحَدا ولا يُعَيِّرُهُ ، ولا يَطلُبُ عَثَراتِهِ ولا عَورَتَهُ ، ولا يَتَكَلَّمُ إلاَّ فيما رَجا ثَوابَهُ ، إذا تَكَلَّمَ أطرَقَ جُلَساؤهُ كَأنَّما عَلى رُؤوسِهِمُ الطَّيرُ ، وإذا سَكَتَ تَكَلَّموا ولا يَتَنازَعونَ عِندَهُ

1.في معاني الأخبار : «لا تُنثى» ولعلّه هو الأصحّ .


نبيّ الرّحمة من منظار القران و أهل البيت
126

ولا تُغضِبُهُ الدُّنيا وما كانَ لَها ، فَإِذا تُعوطِيَ الحَقُّ لَم يَعرِفهُ أحَدٌ ، ولَم يَقُم لِغَضَبِهِ شَيءٌ حَتَّى يَنتَصِرَ لَهُ . وإذا أشارَ أشارَ بِكَفِّهِ كُلِّها ، وإذا تَعَجَّبَ قَلَبَها ، وإذا تَحَدَّثَ قارَبَ يَدَهُ اليُمنى مِنَ اليُسرى فَضَرَبَ بِإِبهامِهِ اليُمنى راحَةَ اليُسرى ، وإذا غَضِبَ أعرَضَ بِوَجهِهِ وأشاحَ ، وإذا فَرِحَ غَضَّ طَرفَهُ ، جُلُّ ضِحكِهِ التَّبَسُّمُ ، يَفتَرُّ عَن مِثلِ حَبِّ الغَمامِ .
قالَ الحَسَنُ عليه السلام : فَكَتَمتُ هذَا الخَبَرَ عَنِ الحُسَينِ عليه السلام زَمانا ، ثُمَّ حَدَّثتُهُ فَوَجَدتُهُ قَد سَبَقَني إلَيهِ وسأَلَهُ عَمّا سَأَلتُهُ عَنهُ فَوَجَدتُهُ قَد سَأَلَ أباهُ عَن مَدخَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ومَخرَجِهِ ومجلِسِهِ وشَكلِهِ ، فَلَم يَدَع مِنهُ شَيئا .
قالَ الحُسَينُ عليه السلام : سَأَلتُ أبي عليه السلام عَن مَدخَلِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : كانَ دُخولُهُ لِنَفسِهِ مَأذونا لَهُ في ذلِكَ فَإذا أوى إلى مِنزِلِهِ جَزَّأَ دُخولَهُ ثَلاثَةَ أجزاءٍ : جُزءا للّهِِ تَعالى ، وجُزءا لأَِهلِهِ ، وجُزءا لِنَفسِهِ . ثُمَّ جَزَّأَ جُزءَهُ بَينَهُ وبَينَ النَّاسِ ، فَيَرُدُّ ذلِكَ بِالخاصَّةِ عَلَى العامَّةِ ولا يَدَّخِرُ عَنهُم مِنهُ شَيئا ، وكانَ مِن سيرَتِهِ في جُزءِ الأُمَّةِ إيثارُ أهلِ الفَضلِ بِإذنِهِ وقَسمُهُ عَلى قَدرِ فَضلِهِم فِي الدِّينِ ، فَمِنهُم ذُو الحاجَةِ ، ومِنهُم ذُو الحاجَتَينِ ، ومِنهُم ذُو الحَوائِجِ ، فَيَتَشاغَلُ ويَشغَلُهُم فيما أصلَحَهُم وأصلَحَ الأُمَّةَ مِن مَسألَتِهِ عَنهُم ، وإخبارِهِم بِالَّذي يَنبَغي ، ويَقولُ : لِيُبلِغِ الشَّاهِدُ مِنكُمُ الغائِبَ ، وأبلِغوني حاجَةَ مَن لا يَقدِرُ عَلى إبلاغِ حاجَتِهِ ، فَإِنَّهُ مَن أبلَغَ سُلطانا حاجَةَ مَن لا يَقدِرُ عَلى إبلاغِها ثَبَّتَ اللّهُ قَدَمَيهِ يَومَ القِيامَةِ ، لا يَذكُرُ عِندَهُ إلاَّ ذلِكَ ، ولا يَقبَلُ مِن أحَدٍ غَيرَهُ ۱ يَدخُلونَ رُوَّادا ، ولا يَفتَرِقونَ إلاَّ عَن ذَواقٍ ، ويَخرُجونَ أدِلَّةً فُقَهاءَ.
فَسَأَلتُهُ عَن مَخرَجِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَيفَ كانَ يَصنَعُ فيهِ ؟ فَقالَ : كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَخزُنُ لِسانَهُ إلاَّ عَمَّا يَعنيهِ ، ويُؤلِفُهُم ولا يُنَفِّرُهُم ، ويُكرِمُ كَريمَ كُلِّ قَومٍ ويُوَلِّيهِ عَلَيهِم ،

1.في معاني الأخبار و بحارالأنوار : «لا يُقَيِّدُ مِن أحَدٍ عَثرَةً» .

  • نام منبع :
    نبيّ الرّحمة من منظار القران و أهل البيت
    المساعدون :
    احساني فر، محمد؛ المسجدي، حيدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 79883
الصفحه من 176
طباعه  ارسل الي