15
نبيّ الرّحمة من منظار القران و أهل البيت

وهكذا توجّهوا إلى الموضع المتّفق عليه ، وإذا بهم يرون النبيّ صلى الله عليه و آله وقد حضر مع ابنته فاطمة عليهاالسلاموصهره عليّ عليه السلام وسبطيه الصغيرين الحسن والحسين عليهماالسلام للمباهلة ، وما إن رأوا هذا المشهد الدالّ على صدقه صلى الله عليه و آله ، حتّى دبّ الذعر في قلوبهم ، فامتنعوا عن المباهلة ، ورضخوا للمصالحة ورعاية شروط الذمّة . ۱

2 . حكمة بعثة رسول اللّه صلى الله عليه و آله

تعتبر معرفة حكمة بعثة رسول اللّه صلى الله عليه و آله أهمّ موضوع يرتبط بمعرفة شخصيته صلى الله عليه و آله .
إنّ حكمة بعثة النبيّ الخاتم صلى الله عليه و آله لا تختلف في الأساس عن فلسفة بعثة الأنبياء ، والاختلاف الوحيد هو أنّه أكمل رسالات سائر الأنبياء ، ولذلك فقد ختمت النبوّة به . ۲
ومع الأخذ بنظر الاعتبار هذه الملاحظة ، يمكن اختصار حكمة البعثة من منظار القرآن في عنوانين ، وهذان العنوانان اللذان يحكيان حقيقة ، هما :

2 / 1 ـ الدعوة إلى اللّه

إنّ الدعوة إلى اللّه ، هي أشمل حكمة لبعثة الأنبياء أجمع ، وهذه الدعوة هي في الحقيقة نفس دعوة سلوك طريق اللّه ، والعمل على أساس الدين الإسلامي ، أي برنامج تكامل الإنسان الّذي يضمن تأمين حياته المادّية والمعنوية . ولذلك فإنّ تعبيرات مثل : «أدعو إلى اللّه » و «ادع إلى سبيل ربّك» و «استجيبوا للّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ...» وغيرها فيما يتعلّق بحكمة البعثة تشير إلى حقيقة واحدة من زوايا مختلفة .
وبعبارة اُخرى : فإنّ الحكمة من بعثة جميع الأنبياء والرسل ، وخاتمهم النبيّ محمّد صلى الله عليه و آله هي أن يعرّفوا الناس على سبيل بلوغ الكمال المطلق كي يصلوا إلى درجة لقاء اللّه الّذي هو المقصد النهائي لحركة الإنسان التكاملية من خلال سلوك هذا السبيل ، وذلك في نفس الوقت الّذي يؤمنون فيه حاجاتهم المادّية والمعنوية ، ولذلك فإنّ الدعوة إلى اللّه عز و جل هي أهمّ حكمة للبعثة وأشملها .

1.راجع : ص ۴۸ (المباهلة) .

2.راجع : ص ۵۱ (الفصل الثاني : فلسفة النبوّة) .


نبيّ الرّحمة من منظار القران و أهل البيت
14

الدليل والبرهان ، وإذا ما أبدى الطرف المقابل العناد إزاء الأدلّة الواضحة ولم يسلّم للحقّ ، دعا في المرحلة الثانية إلى المباهلة ؛ أي دعاء كلّ من الطرفين على الآخر لإثبات ادّعاءٍ ما ، وذلك بأن يجتمعا في موضعٍ واحدٍ بشأن القضية ـ موضوع الاختلاف ـ ويتضرّعا إلى اللّه ، ويطلبا منه أن يفضح الكاذب ويعاقبه . وهذا العمل هو في الحقيقة جعل اللّه سبحانه حكما بشأن تصديق أو تكذيب كلّ واحد منهما في ادّعائه .
وقد أمر اللّه ـ جلّ وعلا ـ نبيه أن يدعو نصارى نجران إلى المباهلة على هذه الشاكلة لإثبات صدقه :
«فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَـذِبِينَ »۱ .
ولا شكّ في أنّ الدعوة إلى المباهلة بالشكل المذكور في هذه الآية ، يدلّ على صدق مدّعي النبوّة ؛ لأنّ الّذي لا يوقن بصحّة ادّعائه لا يمكن أن يدعو معارضيه لِئن يطلبوا من اللّه فضح الكاذب ، وأنّهم سوف يرون في نفس ذلك المجلس نتيجة حكم اللّه ومعاقبة الكاذب!
ومن البديهي أنّ دخول هذه الساحة دون الاطمئنان بالنتيجة ، ليس معقولاً ؛ ذلك لأنّ المدعي سوف يُفضَح إذا ما لم يستجب دعاؤه ولم يعاقَب المعارض ، ولذلك فإنّ عرض المباهلة على المسيحيّين ، بغضّ النظر عن نتائجه ، يدلّ دون شكّ على صدق رسول اللّه صلى الله عليه و آله في دعوى الرسالة .
وبعد عرض اقتراح المباهلة من جانب رسول اللّه صلى الله عليه و آله طلب ممثّلو نصارى نجران المُهلة منه صلى الله عليه و آله للإجابة على هذا المقترح كي يتشاوروا مع كبارهم . وقد كانت نتيجة تشاورهم تتمثّل في ملاحظة مهمّة تدلّ من الناحية النفسية على صدق مدّعي النبوّة أو كذبه ، ولذلك فقد قرّروا أن يحضروا مجلس المباهلة ليروا مَن هم الّذين يرافقون النبيّ صلى الله عليه و آله للمباهلة ، ومَن هم الأشخاص الّذين سيجعلهم عرضة للعقوبة الإلهيّة ، فقد أولوا الأمر بينهم قائلين :
إن باهَلَنا بِقَومِهِ باهَلناهُ؛ فاَءنَّهُ لَيسَ بِنَبِيٍ، وإن باهَلَنا بِأهلِ بَيتِهِ خاصَّةً فَلا نُباهِلُهُ؛ فَإِنَّهُ لا يَقدِم عَلى أهلِ بَيتِهِ إلاّ وهُوَ صادِقٌ . ۲

1.آل عمران : ۶۱ .

2.راجع : ص ۴۸ ح ۲۷ .

  • نام منبع :
    نبيّ الرّحمة من منظار القران و أهل البيت
    المساعدون :
    احساني فر، محمد؛ المسجدي، حيدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 81080
الصفحه من 176
طباعه  ارسل الي