69
نبيّ الرّحمة من منظار القران و أهل البيت

في الكتابَين ، وهي مع ذلك من مختصّات النّبيّ صلى الله عليه و آله وملّته البيضاء ؛ فإنّ الاُمم الصّالحة وإن كانوا يقومون بوظيفة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ـ كما ذكره تعالى من أهل الكتاب في قوله : «لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـبِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ ـ إلى أن قال ـ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَـرِعُونَ فِى الْخَيْرَ تِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّــلِحِينَ»۱ ، وكذلك تحليل الطّيّبات وتحريم الخبائث في الجملة من جملة الفطريّات الّتي أجمع عليها الأديان الإلهيّة ، وقد قال تعالى : «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَ الطَّيِّبَـتِ مِنَ الرِّزْقِ»۲ ، وكذلك وضع الإصر والأغلال وإن كان ممّا يوجد في الجملة في شريعة عيسى عليه السلام كما يدلّ عليه قوله فيما حكى اللّه عنه في القرآن الكريم : «وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ»۳ ، ويشعر به قوله خطابا لبني إسرائيل : «قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَ لِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ»۴ إلاّ أ نّه لايرتاب ذو ريبٍ في أنّ الدِّين الّذي جاء به محمّد صلى الله عليه و آله بكتابٍ من عند اللّه مصدّق لما بين يديه من الكتب السّماويّة ـ وهو دين الإسلام ـ هو الدّين الوحيد الّذي نفخ في جثمان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر كلّ ما يسعه من روح الحياة، وبلغ به من حدّ الدّعوة الخالية إلى درجة الجهاد في سبيل اللّه بالأموال والنفوس ، وهو الدّين الوحيد الّذي أحصى جميع ما يتعلّق به حياة الإنسان من الشّؤون والأعمال ثمّ قسّمها إلى طيّبات فأحلّها ، وإلى خبائث فحرّمها ، ولا يعادله في تفصيل القوانين المشرّعة أيّ شريعة دينيّة وقانون اجتماعيّ ، وهو الدّين الّذي نسخ جميع الأحكام الشّاقّة الموضوعة على أهل الكتاب واليهود خاصّة ، وما تكلّفها علماؤهم وابتدعها أحبارهم ورهبانهم من الأحكام المبتدعة» . ۵

1.آل عمران : ۱۱۳ و ۱۱۴ .

2.الأعراف : ۳۲ .

3.آل عمران : ۵۰.

4.الزخرف : ۶۳ .

5.الميزان في تفسير القرآن : ج ۸ ص ۲۸۰ .


نبيّ الرّحمة من منظار القران و أهل البيت
68

أنا جِئتُكُم بِالأمثالِ وهُوَ يَأتيكُم بِالتَّأويلِ . ۱

التّفسير :

يقول العلاّمة الطباطبائيّ قدس سره في تفسير قوله تعالى : «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ ... » : «قال الرّاغب في المفردات : الإصر : عقد الشّيء وحبسه بقهره ، يقال : أصَرته فهو مأصور ، والمأصَر والمأصِر ـ بفتح الصّادِ وكسرها ـ : محبس السّفينة ، قال اللّه تعالى : «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ»۲ أي الاُمور الّتي تثبّطهم وتقيّدهم عن الخيرات ، وعن الوصول إلى الثّواب ، وعلى ذلك : «وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا»۳ وقيل : ثِقلاً ، وتحقيقه ما ذكرت . انتهى . ۴ والأغلال جمع غلّ ، وهو مايُقيَّد به ... .
وذكره صلى الله عليه و آله بهذه الأوصاف الثّلاث : الرّسول النّبيّ الاُمّيّ ، ولم يجتمع له في موضع من كلامه تعالى إلاّ في هذه الآية والآية التّالية ، مع قوله تعالى بعده : «الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِْنجِيلِ» تدلّ على أ نّه صلى الله عليه و آله كان مذكورا فيهما معرّفا بهذه الأوصاف الثّلاث .
ولولا أنّ الغرض من توصيفه بهذه الثّلاث هو تعريفه بما كانوا يعرفونه به من النّعوت المذكورة له في كتابَيهم ، لما كانت لذكر الثّلاث ـ الرّسول ، النّبيّ ، الاُمّيّ ـ وخاصّة الصّفة الثّالثة نكتة ظاهرة .
وكذلك ظاهر الآية يدلّ أو يُشعر بأنّ قوله : «يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ» إلى آخر الاُمور الخمسة الّتي وصفه صلى الله عليه و آله بها في الآية من علائمه المذكورة

1.التوحيد : ص ۴۲۸ ح ۱ ، عيون أخبار الرضا : ج ۱ ص ۱۶۴ ح ۱ ، الاحتجاج : ج ۲ ص ۴۱۴ ح ۳۰۷ كلاهما نحوه وكلّها عن الحسن بن محمّد النوفلي ، بحار الأنوار : ج ۱۰ ص ۳۰۷ ح ۱ .

2.الأعراف : ۱۵۷ .

3.البقرة : ۲۸۶ .

4.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۷۸ .

  • نام منبع :
    نبيّ الرّحمة من منظار القران و أهل البيت
    المساعدون :
    احساني فر، محمد؛ المسجدي، حيدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 78857
الصفحه من 176
طباعه  ارسل الي