103
العقد النّضيد و الدّر الفريد

العقد النّضيد و الدّر الفريد
102

الحديث الثاني والثمانون

۰.عن عبد الواحد بن زيد المصري ـ رجل من أهل الشيعة ـ قال :. كنتُ حاجّا إلى بيت اللّه الحرام [ و ] زائرا لقبر النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، فبينا أنا ذات يوم بمدينة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فإذا أنا بجارية على نجيب أحمر في هودج أخضر وهي تقول لأُختها : يا أُختاه ، لا وحقّ العادل في الرعيّة ، والمعطي بالسويّة ، والناظر في القضيّة ، بعل فاطمة المرضيّة ، ما كان كيت وكيت .
قال عبد الواحد بن زيد : قلت : يا جارية ، ناشدتك اللّه ، ألا تعلميني من هذا الفتى؟ قالت : أتشكّ في فضله؟ قلت : اللهمّ لا .
قالت : واللّه ِ وتاللّه ِ ، وأيّ فتىً! عظيم التوكل ، شديد القوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلاً ، وينطق فضلاً ، ينفجر العلم من فيه ، وينطق الحقّ من نواحيه ، عَلَم الأعلام ، ومنار الإيمان ، وإمام الأُمّة ، وراهب الأئمّة ، فاق المسيح ، وعلا ذكره على كلّ مديح، هادم الأصنام ، والمتبتّل للصيام ، وكان ـ صلوات اللّه عليه ـ ذا شرفٍ وكرم، يعجبه من الثياب قصيره ، ومن الطعام شعيره ، ومن الصيام هجيره ، ومن اللّيل قريره ، وباللّه أحلف على ما أشرح ، لقد أبصرته في بعض مواقفه وقد أسدل الليل ظلامه وغارت نجومه ، وهو قائمٌ في محرابه قابضٌ على شيبته وقد خضبها بعبرته ، وهو يتململ كما يتململ السليم ويتضرّع كما يتضرّع السقيم ، ويعاتب دنياه فيقول:
«يا دنيا ، غُرّي غيري ، إليَّ تشوّقت ؟! أم إليّ تعرّضتِ؟! لا حاجة لي فيكِ ولا طمع لكِ فيَّ . ألا يا طالبَ الدنيا ، قليلاً قليلاً ، مهلاً مهلاً ! [ في ] حلالها واللّه ِ حِسابٌ ، و[ في ] حَرامها عقابٌ . أَما والذي إِليه يصير الكلِمُ الطيّب والعَملُ الصّالِحُ يرفعه ، لأصدفنَّ عنكِ أيّ صدوفٍ ، ولأطْوِيَنَّكِ طيّ الصُّحُفِ!» .
قال عبد الواحد بن زيد : فوكفتْ دموعي على خدِّي وقلت : ناشدتُك يا جارية إلاّ ما أخبرتني من هذا الفتى؟
قالت : واللّه ذلك ليث بني غالب الإمام عليّ بن أبي طالب ، صلوات اللّه عليه .
قال عبد الواحد بن زيد : فقلت لها : يا جارية ، بمَ استأهل منك هذا الإمامُ مديحك؟
قالت : كان أبي رجلاً من أصحابه ، قتل يوم صفّين بين يديه ، فلمّا كانَ ذات يومٍ قال لوالدتي : «كيف أصبحت يا أُمّ الأيتام؟» قالت : بخير يا أمير المؤمنين ، فأخرجنا إليه أنا وأُختي فألحّ بالنظر إلينا وكان قد ركبنا من الجدريّ ۱ أمر عظيم ، فلمّا رآنا عليه السلامأنّ لنا وشكا وتمثّل وقال :
وما تأوّهتُ من شيءٍ رُزِئتُ به كما تأوّهتُ للأيتام في الصِغَر
قد مات والدُهم مَنْ كان يكفُلهم في النائبات وفي الأسفار والحضر
ثمّ قال : «أدنيهما منّي يا عجوز» فقرّبتنا والدتي إليه وقد كان واللّه أذهب الجدريّ ببصر عينيّ جميعا ، فلمّا رآني مدّ يده على عينيّ وتفل فيهما ، فوهبهما اللّه لي فشفاني! يا شيخ ، إنّي لأُبصر الجمل الشارد في الليلة الظلماء في البريّة القفراء ، على مسير فرسخ أو فرسخين .
قال عبد الواحد بن زيد ، فضربت بيدي إلى كمِّي وأخرجتُ شيئا من الذهب والفضّة ، وقلت يا جارية : استعيني بهذا على وقتك ، فقالت : إليك عنّا يا رجل! قد خلّفنا واللّه أكرم سلفٍ على أفضل خلف .
فقلت : فمن السلف والخلف؟
فقالت : خلّفنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب على ولده أبي محمّد الحسن بن علي عليهماالسلام ، ومن كان في ضيافة الحسن لا يأخذ ممّا في أيدي الناس !
ثمّ ولّت ، فسألت أُختها عنها ، فقالت : أنا وهي ابنتا عمّار بن ياسر العبسي ـ رضوان اللّه عليه ـ صاحب راية رسول اللّه وصاحب أمير المؤمنين عليهماالسلام ۲ .

1.الجدريّ ـ بضمّ الجيم وفتحها ـ : مرض يسبّب بثورا حمرا ببعض الرؤوس ، تنتشر في البدن وتتقيّح سريعا ، وهو شديد العدوى.

2.روى نحوه منتخب الدين فيالأربعون حديثا : ۷۶ ، الحكاية الأُولى ؛ وابن شهرآشوب في المناقب ۲ : ۳۳۴ ؛ وفي بحار الأنوار ۳۳ : ۴۷/۳۹۲ ، و۴۱ : ۲۲۰/۳۲ ، عن بشارة المصطفى : ۸۶ ـ ۸۷ .

  • نام منبع :
    العقد النّضيد و الدّر الفريد
    المساعدون :
    اوسط الناطقي، علي؛ شهرستاني، سيد هاشم؛ فرادي، لطيف
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1423 ق / 1381 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 39178
الصفحه من 243
طباعه  ارسل الي