111
العقد النّضيد و الدّر الفريد

الحديث السادس والثمانون

۰.عن سليم بن قيس [ قال :. ] شهدت أبا ذرّ في مرضه ۱ على عهد عمر في إمارته ، فدخل عليه عمر يعوده وعنده عليّ بن أبي طالب وسلمان والمقداد ، وقد أوصى أبو ذرّ إلى عليّ عليه السلام ، وكتب وأشهد .
فلمّا خرج عمر ، قال له رجل من غفار من بني عمّ أبي ذرّ ۲ : يا أبا ذر ، ما منعك أن توصي إلى أمير المؤمنين عمر؟
قال : قد أوصيت إلى أمير المؤمنين عليه السلام حقّا حقّا ، أمرنا بذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمونحن أربعون ۳ رجلاً من العرب وأربعون من العجم ، فسلّمنا على عليٍّ بإمرة المؤمنين ، وفينا هذا القائم الذي سمّيته أمير المؤمنين ! فما فينا أحدٌ من العرب والعجم والموالي راجَعَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله [ إلاّ هذا ] وصوَيْحبه الذي استخلفه ، فإنّهما قالا : [ أحقٌّ من اللّه ورسوله؟ فغضب رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوقال : «اللهمّ نعم ] حقٌّ من اللّه ورسوله ، أمرني بذلك وأمرتكم به» .
[ قال سليم : فقلت : يا أبا الحسن وأنت يا سلمان وأنت يا مقداد ، أتقولون كما قال أبو ذرّ؟ قالوا : نعم ، صدق . قلت : أربعة عدول ، ولو لم يحدّثني غير واحد ما شككت في صدقه ، ولكنّ أربعتكم أشدّ لنفسي وبصيرتي ] .
قال : [ قلت : ] أتسمّون الثمانين كلّهم ؛ من العرب والموالي؟ فسمّاهم سلمان رجلاً رجلاً ، [ فقال عليّ عليه السلام وأبو ذر والمقداد : صدق سلمان ] .
فكان ممن سمّى : أبو بكر وعمر وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وسعد بن عبادة ومعاذ بن جبل ، والنقباء من أصحاب العقبة
وأبيّ بن كعب والمقداد وأبو ذرّ ، وبقيّةٌ جلّهم وأعظمهم من أهل بدر ، ومن الأنصار فيهم : أبو الهيثم بن التيهان ، وأبو أيّوب خالد بن زيد ۴ ، وأُسيد بن حضين ۵ ، وبشير بن سعد .
قال سليم : فلقيت ۶ عامّتهم فسألتهم وخلوت بهم رجلاً رجلاً ، فمنهم من كتم وسكت عنّي ولم يجبني ، ومنهم من حدّثني فقال : أصابتنا فتنة أخذت بقلوبنا وأبصارنا وأسماعنا ؛ وذلك لمّا ادّعى أبو بكر أ نّه سمع من رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «إنّا أهل بيت أكرمنا اللّه ُ واختار لنا الآخرة على الدنيا ، وإنّ الله لم يجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة!» فاحتجّ بذلك أبو بكر على عليّ عليه السلامحين جيءَ به للبيعة ، فصدّقه وشهد له أربعة كانوا عندنا خيارا غير متّهمين : عمر ، وأبو عبيدة ، وسالم ، ومعاذ ، وظننّا أنّهم قد صدقوا . . . .
فلمّا بلغ عليّا ۷ عليه السلام قال : إنّ نبيّ اللّه أخبره أنّ هؤلاء الجماعة ۸ كتبوا بينهم كتابا ، وتعاهدوا في جوف الكعبة ۹ إنْ قُتِل محمّد أو مات أن يتظاهروا على عليٍّ ، فيزيلوها عنه» ۱۰
، واستشهد على ذلك أربعة : سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، فشهدوا بعدما وجبت في أعناقهم بيعة أبيبكر، فعلمنا أنّ عليّا عليه السلاملم يكن يروي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آلهباطلاً ، وشهدوا له الأخيار والصحابة الثقات .
فقال رجل ۱۱ ممّن قال هذه المقالة منهم : إنّا قد تدبّرنا الأمر بعد ذلك ، فذكرنا قول
رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «إنّ اللّه أمرني بحبّ الأربعة ۱۲ ، وإنّ الجنّة تشتاق إلى أربعة» فقلنا : من هم يا رسول اللّه ؟ قال : « أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أُمَّتي ومولى كلّ مؤمن بعدي ، عليّ [ بن أبي طالب عليه السلام ] ، وسلمان [ الفارسي ] ، وأبو ذر ، والمقداد [ بن الأسود ] ».
فإنّا نستغفر اللّه ونتوب إليه ممّا ركبناه وأتيناه ، وقد سمعنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قولاً ما نعلم تأويله ومعناه إلاّ خيرا ، قد سمعناه يقول : « ليردنَّ عليَّ الحوض أقوام من أُمّتي ممّن صحبني من أهل المكانة [ منّي ] والمنزلة عندي ، حتّى إذا وقفوا على .مراتبهم ورأوني اختلسوا دوني فأخذت بهم النار ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أصحابي ، أصحابي! فيقال لي : يا محمّد ، إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنّهم لن يزالوا مرتدّين على أدبارهم القهقرى منذ فارقتهم » .
ولعمري لو أنّا حين قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم سلّمنا الأمر لعليٍّ وأطعناه وبايعناه لاهتدينا وأُرشدنا ووفّقنا ، ولكنّ اللّه علم الاختلاف منّا والفرقة والبلاء ، وكان منّا ما قد علم اللّه [ وقضى وقدّر ] ۱۳ .
قال سليم : قال أبو ذر : أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « أن سَلِّمُواْ عَلى أَخِي [ ووزيري ] ووارثِي وخليفتِي في أُمّتي ووليّ كلّ مؤمن بعدي بالإمرة ؛ فإنّه أمير المؤمنين ، وإنّه زرّ ۱۴ الأرض الذي تسكن إليه الأرض ، ولو قد فقدتموه لأنكرتكم الأرض ومن عليها وأهلها » .
قال أبو ذر : فرأيت عجل هذه الأُمّة وسامريّها راجَعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فقالا : أحقٌّ من اللّه ورسوله؟ فغضب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : « نعَمْ ، حَقٌّ مِنَ اللّهِ ورَسُولِهِ ،
أَمَرَني اللّه بِذلِك » .
فلمّا سلّمنا عليه أقبلا على أصحابهما معاذ وسالم وأبي عبيدة ـ حين خرجا من بيت عليِّ بن أبي طالب عليه السلام ، بعدما سلّمنا عليه ـ فقالا لهم : ما بال هذا الرجل؟ إنّه [ ما زال ] يرفع خسيسة ابن عمّه! وقال أحدهما : إنّه ليحسن أمر ابن عمّه ، وقالا جميعا : ما لنا عنده من خير ما بقي عليّ!
قال سليم : فقلت : يا أبا ذر ، هذا التسليم بعد حجّة الوداع أو قبلها؟
[ فقال : أمّا التسليمة الأُولى فقبل حجّة الوداع ، وأمّا التسليمة الأُخرى فبعد حجّة الوداع .
قلت : فمعاقدة هؤلاء الخمسة متى كانت؟ قال : في حجّة الوداع ] .
قلت : فأخبرني عن الاثني عشر أصحاب العقبة المنافقين ۱۵ الذين أرادوا أن ينفّروا برسول اللّه [ الناقة ] ، متى كانت؟
قال : بغدير خمّ ؛ مقبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من حجّة الوداع .
قال : قلت : وتعرفهم؟ قال : إي واللّه كلّهم .
قلت : من أين تعرفهم وقد أسرَّهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إلى حذيفة؟!
قال : وكان عمّار بن ياسر قائده وحذيفة سائقه ، فأمر حذيفة بالكتمانِ ولم يأمر عمّارا بذلك .
قلت : تسمِّيهم لي؟ قال : الخمسة أصحاب الكتاب ۱۶ ، والخمسة أصحاب الشورى ، واثنان : معاوية وعمرو بن العاص . ۱۷
قلت : وكيف تردّد عمّار وحذيفة في أمرهما ۱۸ بعدما قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آلهحتّى تولّياهما؟
قال : إنّهما أظهرا بعد ذلك التوبة والندامة ، وادّعى عجلُهم منزلةً وشهد لهم سامريّهم والثلاثة معهم بأنّهم سمعوا ذلك من رسول اللّه وقالوا : هذا أمر قد حدث بعد الأوّل ، فشكّا فيمن شكّ منهم ، إلاّ أنّهما قد تابا وندما وعرفا وسلّما لأمير المؤمنين عليه السلام .
قال سليم : فلقيت عمّارا في خلافة عثمان بعدما مات أبو ذر رحمه الله فأخبرته بما قال أبو ذر لي ، فقال : صدق [ أخي ] أبو ذر ، [ إنّه لأبرّ وأصدق من أن يحدّث عن عمّار بما لا يسمع منه .
فقلت : أصلحك اللّه ، أتصدّق أبا ذرّ؟ قال : أشهد لقد سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلميقول : « ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ ولا أبرّ » . قلت : يا نبيّ اللّه ، ولا أهل بيتك؟ قال : « إنّما أعني غيرهم من الناس» ] .
ثمّ لقيت حذيفة بالمدينة ۱۹ ـ ورحلت إليه من الكوفة ـ فذكرت ذلك له وما قال أبو ذرّ ، فقال : سبحان اللّه ! أبو ذرّ أصدق وأبرُّ من أن يحدّث عن عمّار ما لم يسمعه منه .
فقلت له : أصلحك اللّه : أتصدّق أبا ذر؟ قال : أشهد أنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلميقول : « ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء [ على ذي لهجة ]أصدق ولا أبرّ من أبي ذر الغفاري » . فقلت أنا ـ وعمّار يسمع ـ : يا نبي اللّه ولا أهل بيتك؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «إنّما أعني في ذلك [غيرهم] من الناس» ۲۰ .

1.في المصدر : «شهدت أبا ذر مرض مرضا».

2.في المصدر : «من أهل أبي ذرّ من بني عمّه بني غفار».

3.في نسخة من المصدر : «ثمانون».

4.في المصدر : «خالد بن زيد وأبو أيّوب».

5.في المصدر : «أسيد بن حضير».

6.في المصدر : «فأظنّ أنّي قد لقيت».

7.في المصدر : «بايع عليّ عليه السلام».

8.في المصدر : «الخمسة».

9.في المصدر : «تعاهدوا فيه وتعاقدوا في ظلّ الكعبة».

10.في المصدر : «فيزووا عنه هذا الأمر».

11.في المصدر : «جلّ من قال».

12.في المصدر : «إنّ اللّه يحبّ أربعة من أصحابي وأمرني بحبّهم».

13.كتاب سليم بن قيس الهلالي ، الحديث التاسع عشر ؛ ورواه ابن طاووس في كتاب «اليقين» الباب ۱۲ عن مناقب ابن مردويه ؛ والبحار ۲۸ : ۱۲۴ ـ ۱۲۷/۷ باختلاف في بعض الألفاظ.

14.زرّ الشيء : ما يقوم به.

15.في المصدر : «المتلثّمين».

16.في المصدر : «الصحيفة».

17.فهُم : أبو بكر وعمر وأبو عبيدة الجرّاح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبيحذيفة ، وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وطلحة والزبير ، ومعاوية وعمرو بن العاص.

18.في المصدر ـ في الموارد الثلاثة ـ : «هم» بضمير الجمع.

19.في المصدر : «بالمدائن».

20.كتاب سليم بن قيس ، الحديث العشرون ؛ وروى شطرا منه المفيد في الإرشاد ج ۱ ، ص ۴۷ عن معاوية بن ثعلبة ؛ وعنهما في بحار الأنوار ۲۸ : ۱۲۷ ذيل الحديث ۷ و۳۸ : ۳۳۱/۶۸ .


العقد النّضيد و الدّر الفريد
110
  • نام منبع :
    العقد النّضيد و الدّر الفريد
    المساعدون :
    اوسط الناطقي، علي؛ شهرستاني، سيد هاشم؛ فرادي، لطيف
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1423 ق / 1381 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 48760
الصفحه من 243
طباعه  ارسل الي