127
العقد النّضيد و الدّر الفريد

الحديث الحادي والتسعون

۰.عن زيد بن أسلم عن أبيه قال :. لمّا بويع أبو بكر في سقيفة بني ساعدة امتنع سعد بن عبادة لمّا امتنع عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام والمقداد وأبو ذرّ
وسلمان وغيرهم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، فلمّا خرج أبو بكر قال لسعد بن عبادة : لِمَ قعدت عن بيعتي؟
قال سعد : قد قعد عن بيعتك من هو خير منّي ومنك ، ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وزوج ابنته فاطمة ، وأبو ولديه الحسن والحسين ، وما دعوت إلى نفسي إلاّ بعدما رأيتكم قد دفعتموها من أهل [ بيت ] نبيّكم ، فلمّا رأيت ذلك قلت : منّا أمير ومنكم أمير ، إذ دفعتم صاحب الحقّ عن حقّه ، وزعمت يا أبا بكر أنّ المسلمين اختاروك ، وايم اللّه ، لم يكن ثَمَّ اختيار ! وكيف يكون ثَمَّ اختيار وعليّ بن أبي طالب قد قعد عن بيعتك؟! ألست تنظر يا أبا بكر أنّ الفضل في كتاب اللّه لفي أربع خصالٍ لا خلاف فيها بين المسلمين ؟!
قال أبو بكر : وما تلك الخصال؟
قال : هي : السبق في الإيمان ، والجهاد مع المشركين ، والقرابة من النبيّ ، والعلم بما نطق به القرآن ، أليس اللّه تعالى يقول : «وَ السَّـبِقُونَ السَّـبِقُونَ * أُوْلَـلـءِكَ الْمُقَرَّبُونَ»۱ ، ويقول : «وَ السَّـبِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَـجِرِينَ وَالْأَنصَارِ»۲
، ويقول : «أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَى»۳ .
وقوله : «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَـتٍ»۴ .
وقوله تعالى : «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ»۵ .
وقوله : «فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَـهِدِينَ عَلَى الْقَـعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا»۶ .
وقوله : «لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قَـتَلَ أُوْلَـلـءِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ
الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنم بَعْدُ وَ قَـتَلُواْ»۷
.
وقال : «قُل لاَّ أَسْـ?لُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى»۸ .
وقال : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»۹ .
وهذه وأمثالها أُنزلت في عليٍّ وأهل بيته . واللّه أسألك يا أبا بكر ، أتفضّل عليّا! أو تفضّلك وتفضّل جميع الأُمّة؟!
فقال أبو بكر : أتريد أن تعتدي يا سعد؟ قال سعد : لا واللّه ، ما أُريد ذلك و[ لا ]يريده عليّ ، وإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم عرّفه ذلك كلّه وأعلمه أ نّه سيكون بعده ما قد كان ، وأمَرَه بالجلوس .
فقال أبو بكر : جرى هذا الأمر وليس يمكن نقضه ، فجاملوني وكفُّوا أنفسكم عنّي كما كففتم أيديكم .
فقال سعد : فصبر جميل ، واللّه المستعان على ما تصفون . يا أبا بكر ، على ما بايعنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم؟
قال أبو بكر : فعلامَ بايعته يا سعد؟ قال : بايعنا معشر الأنصار على أنّا ننصره وندفع الباطل ونعين المظلوم على الظالم .
ثمّ تفرّقا على هذا وفي قلب أبي بكر عن سعد ما فيه .
ثمّ بعد ذلك رمي بالليل بسهمين فقتلوه وقالوا : الجنّ قتله وناحوا عليه :
قد قتلنا سيّد الخزرج سعد بن عباده ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده۱۰

1.الواقعة (۵۶) : ۱۰ و۱۱.

2.التوبة (۹) : ۱۰۰.

3.يونس (۱۰) : ۳۵.

4.المجادلة (۵۸) : ۱۱.

5.الزمر (۹۳) : ۹.

6.النساء (۴) : ۹۵.

7.الحديد (۵۷) : ۱۰.

8.الشورى (۴۲) : ۲۳.

9.الأحزاب (۳۳) : ۳۳.

10.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ۱۰ : ۱۱۱ ، أشار إلى قصّة سعد بن عبادة مختصرا وفي آخره حكى البيتين ، وكذا في الصراط المستقيم ۳ : ۱۰۹.


العقد النّضيد و الدّر الفريد
126

الحديث التاسع والثمانون

۰.عن ابن دأب قال :. دخل عمرو بن العاص ذات يوم على معاوية ، فلمّا رآه معاوية استضحك منه ضحكا شديدا .
فقال له عمرو : أضحك اللّه سنّك وأدام سرورك ، يا أمير المؤمنين ممّ ضحكت؟
قال : يا عمرو ، ذكرت حملة أبي الحسن عليّ بن أبي طالب عليك يوم صفِّين ، وأ نّه لمّا غشيك طرحت نفسك عن فرسك واستقبلت سوءتك حتّى صرف وجهه عنك ، فواقفت واللّه هاشميّا ، فكثر تعجّبي منك كيف أدركت ذهنك حتّى فعلت ما فعلت!
فقال عمرو : أمّا أنا يا أمير المؤمنين ، فإنّي فررت ممّن لا يستحى الفرار منه ، واحتلت نفسي كما تحتال الرجال ، أما واللّه لو بدا له من صفحتك الذي بدا له من صفحتي لأوجع قذالك ، وأيتم عيالك وأنهب مالك ، وأعدمك سلطانك ، غير أنّك تحرّزت منه بالرجال ، أما إنّي قد كنت عن يمينك يوم دعاك إلى مبارزته ، فأحولّت عيناك ، وأربد شدقاك ، وانتفخ جنباك ، وبدا لك من أسفلك ما أكره ذكره لك !
قال معاوية : لم نرد كلّ هذا منك يا عمرو . قال : فمن نفسك يا أمير المؤمنين فاضحك ، ومنها فتعجّب! ۱

الحديث التسعون

۰.عن عبد اللّه بن مسعود قال :. مرّ علينا كعب الأحبار ونحن جلوس عند عمر بن الخطاب في خلافته وعليّ بن أبي طالب عليه السلامجالس معنا ، قال : فجلس إلينا كعب ، فقال له عمر : يا كعب ، حدّثنا بشيءٍ جاء في التوراة في هذا الأُمّة.
فقال له كعب : يا أمير المؤمنين ، أيّها أحبّ إليك ، أُخبرك بالحقّ أو أسكت؟
فقال : أخبر بالحقّ بما يصدّقك القرآن .
فقال كعب : لا يدخل الجنّة من أُمّة محمّد إلاّ القليل الذين أحدثوا من بعده .
فأقبل عليٌّ عليه السلام فقال : «يا كعب ـ ويلك ! ـ أتدري ما قلت؟» قال : نعم ، فقال له عليٌّ : «وَلِمَ لايَدْخُلُونَ الجنّة وهُمْ يَشْهَدُونَ أن لا إله إِلاّ اللّهُ ، ومُحَمَّدا رَسُولُ اللّه ، ويُصَلُّونَ ويَصُومُونَ ويَحجُّونَ البَيْتَ؟».
فقال كعب : إنّك لتعلم ذلك في القرآن خيرا مِمّا أعْلَمُ ، وفي التوراة أيضا : إنّهم سيظلمون صدّيق هذه الأُمّة ـ وعالمها الأكبر ، وخليفة نبيّهم من بعده ـ حقَّه ، وجدته واللّه في التوراة هكذا .
ثمَّ ركب حماره وانطلق إلى منزله ، وكان منزله يومئذٍ ب «قُبا» ، فقال عند ذلك عمر : علَيَّ عهد اللّه ، إن لم يخرج كعب ممّا قال ويخرج لنا ذلك من التوراة لأضربنّ عنقه ! اِيتوني بكعب الساعة .
قال ابن مسعود : فأتبعناه فأخبرناه بما قال عمر فيه .
فقال كعب : واللّه إنّي إذا قلتُ الحقّ لا أُبالي نصرت أو ظلمت . ثمّ أقبل حتّى وقف على عمر ، فقال له : ما قلت اخرج منه ، فقال : واللّه وجدته في التوراة ، فإن تكفَّ عنّي أكتمه ولا أذكره ، وإن أشهيت أن أصدقك أبوح به .
فقال عمر : أصدقني وتقول فيما بيني وبينك ، فقال : هو واللّه عليّ بن أبي طالب .
فقال له عمر : ويحك ! لقد ضلّت أُمّة محمّد وعمر ، وما حفظوا وصيّته فيه إذا .
وروي هذا في سنن أبي مسعود ابن الفرات الرازي أيضا بإسناده .

1.المحاسن والمساوئ ۱ : ۵۳ ؛ الغدير ۲ : ۱۶۳ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبيالحديد ۶ : ۳۰۷ بشارة المصطفى : ۴۱۵ ، الجزء ۱۰ ح ۲۰ ؛ أمالي الطوسي : ۱۳۴ ح ۲۱۷ / ۳۰.

  • نام منبع :
    العقد النّضيد و الدّر الفريد
    المساعدون :
    اوسط الناطقي، علي؛ شهرستاني، سيد هاشم؛ فرادي، لطيف
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1423 ق / 1381 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 39171
الصفحه من 243
طباعه  ارسل الي