135
العقد النّضيد و الدّر الفريد

العقد النّضيد و الدّر الفريد
134

الحديث السادس والتسعون

۰.عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، قال :.
خرج معاوية ذات يوم إلى خارج دمشق راكبا على بغلةٍ شهباء للتفرّج ، وعن يمينه أبو الأعور السلمي ، وعن شماله عمرو بن العاص ، وبين يديه ولداه : خالد ويزيد ، فلمّا أصحر إذا شيخ قد أقبل من صدر البريّة ، تبيّن شراسيف صدره من خرز ظهره ، وعليه جبّة من الصوف قد مرّ نساجها وبقي لحامها ، وقد خرج من تحتها شعر صدرها كسَلَي النحل، وعلى رأسه شملة من الصوف، وفي وسطه حبل من ليف المُقْل.
فقال له معاوية : من أين أقبلت يا شيخ؟ فلم يتكلّم ، فأعاد القول ثانية؟ فلم يتكلّم ، فأعاد القول ثالثة؟ فقال الشيخ : ويحك! ألم تسمع قول النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «تحيّة المؤمن قبل كلامه»؟!
فقال له معاوية : صدقت وأخطأنا يا شيخ ، السلام عليك ، فقال الشيخ : السلام على من اتّبع الهدى ، وخشي عواقب الردى ، وأطاع الملك الأعلى .
فقال له : من أين أقبلت؟ قال : من أرض النجفيّة ۱ .
قال : وأين تريد؟ قال : الأرض التي بورك فيها .
فقال معاوية : لعلّك أقبلتَ من الكوفة تريد البيت المقدّس؟ قال : أجل .
فقال له معاوية : كيف خلّفت أبا تراب؟ فقال الشيخ : فمن أبو تراب؟ قال : عليّ بن أبي طالب .
فقال : خف ، ولم لا تقول : الميزان الراجح ، والطريق الواضح ، والزناد القادح ، والشهاب اللائح ، صاحب بدر وحنين ، وأبو الحسن والحسين ، والمفرّق بين ولد الحلال والزنى ؟!
فقال معاوية : من ذكرته كيف خلّفته؟ قال : خلّفته معافىً في دينه ودنياه .
قال معاوية : فما يصنع في ليله؟ قال : يقسّمه ثلاثة أجزاءٍ : جزء مع نفسه ، وجزء يناجي ربّه ، وجزء يحرس فيه المسلمين .
قال : ما يصنع في نهاره؟ قال : ينصف المظلوم من ظالمه ، ويعيد الظالم بعدله إلى الحقّ .
قال : فمن على بيت مال المسلمين؟ قال : ولده الحسن .
قال : فمن على شرطها؟ قال : ولده الحسين .
قال معاوية : لقد أُشرب حُبَّ أبي تراب قلبُ هذا الشيخ ، فلو مات أبو تراب ما كنت تصنع؟
قال : ما كنت أتّهم فيه ربّي ولا أرجع بعده ضالاًّ ، وإنّه لا يموتُ حتّى يكون له وَلَدٌ وُلِدَ ، حتّى بقي الدهر ولا يبقى أحد .
فقال عمرو بن العاص : عرّفه نفسك لعلّه لا يعرفك .
فقال معاوية : هل تعرفني يا شيخ؟ فقال الشيخ : لا اُفكّرك .
قال : أنا الشمعة المضيئة ، أنا اليَنْبُوعة ۲ الزكيّة ، وأنا سيّد بني أُميّة .
قال الشيخ : لعلّك ابن الدعيّ ، وعدوّ النبيّ ، وابن آكلة كبد حمزة الزكيّ ، الطليق ابن الطليق؟
فقال له معاوية : يا شيخ ، قل خيرا فإنّك مقتول .
قال له الشيخ : لا أكره ذلك ، أنا عدوّك في الدنيا وأكون غدا خصمك في الآخرة .
قال له : يا شيخ ، هل شهدت [ يوم ] الدار؟ قال : وما [ يوم ] الدار؟ قال : لمّا قتل عليٌّ عثمان!!؟
فقال [ الشيخ ] : واللّه إنّ عليّا ما قتل عثمان ولا ملأ في قتله .
قال معاوية : يا شيخ ، ما تقول في اُمِّ المؤمنين عائشة؟
قال : ما أقول في امرأة أغضبت ربّها ، وخالفت بعلها ، وحاربت وليّها !
قال : يا شيخ ، هل شهدت صفّين؟
قال : ولا غبت عنها ، ولقد كنت قطبها ورحاها ، وأنا صاحب السهمين اللذين قتلا جواديك ، والسهم الذي أثّر هذا الأثر بين عينيك .
فقال له : يا شيخ ، قل خيرا فإنّك مقتول .
فقال : لا أكره ذلك ؛ أن أكون عدوّك في الدنيا وأكون خصمك في الآخرة .
فقال له معاوية : عد معنا إلى المنزل حتّى نعطيك شيئا من النفقة .
فقال الشيخ : ليس لي فيه حاجة ، معي بقيّة نفقة من إمام يعطي بلا إسراف ولا إقتار .
فرجع معاوية إلى منزله ومعه الشيخ وأحضر له الطعام وقال له : كلْ ، فقال الشيخ : لا آكل حتّى يأذن لي أصحابه .
فقال : ومن أصحابه؟ أوَليس أنا صاحبه؟!
فقال : كلاّ، أصحابه الفقراء واليتامى والمساكين وابن السبيل والعاملون عليها ۳ .
ثمّ نهض الشيخ وهو يقول :
أمعيّري في حبّ آل محمّد حجر بفيك فدع ملامك أو رد
لو لم تكن في حبِّ آل محمّد ثكلتك أُمّك غير طيب المولد

1.في البحار : «أتيت من العراق أُريد بيت المقدس».

2.في البحار : أنا الشجرة الزكيّة. و«اليَنْبُوع» : عين الماء=الجدول الكثير الماء .

3.روى نحوه شاذان بن جبرئيل في الفضائل : ۷۷ ؛ وعنه في بحار الأنوار ۳۳ : ۲۴۷/۵۲۳ بتفاوت.

  • نام منبع :
    العقد النّضيد و الدّر الفريد
    المساعدون :
    اوسط الناطقي، علي؛ شهرستاني، سيد هاشم؛ فرادي، لطيف
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1423 ق / 1381 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 39221
الصفحه من 243
طباعه  ارسل الي