161
العقد النّضيد و الدّر الفريد

الحديث الثاني عشر والمائة

۰.خبر عديّ بن حاتم رضى الله عنه :.
وبإسناده عن ابن فضّال يرفعه إلى عديّ بن حاتم أ نّه قال : ما رحمت من خلق اللّه أحدا كرحمتي على عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؛ رأيته حين أُتي به إلى بيعة أبي بكر ، فلمّا نظر إلى القبر قال : «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى»۱ .
فقالوا : بايع . قال : «فَإن لَمْ أَفْعَلْ؟» قالوا : نقتلكَ! ۲
فقال : «تَقْتُلُونَ إذا عَبْدَ اللّهِ وأخَا رَسُول اللّه!؟» فمسح القوم على يده وأصابعه مضمومة ولم يستطيعوا بسطها ، وكان عليٌّ يشبه بالأسد ، كان ذراعه مستغلظا مثل عضده لم يكن بينهما فرق ، وكان إذا قبض قبضته لم يقدر أحد على بسطها ، وكانت له دسيعة كدسيعة السبع ، عظيم مساس المنكبين ، إذا مشى كأنّه السبع يهمهم ، ولقد نادى يوم الجمل نداءً فصعق منه الناس .
ولقد سمعته بصفّين يخطب الناس ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أيّها الناس ، امضوا على بصيرتكم ، وقاتلوا على نوركم ، واعلموا أنّكم لن تقاتلوا تحت رايةٍ أهدى من هذه الراية ، ولا قوما أضّل من أهل الشام ، ألا تحبّون أن تلقوا اللّه ورسوله غدا وهما عنكم راضيان؟! تقاتلون مع ابن عمّ رسول اللّه ووصيّه وخليفته على أُمّته .
واللّه لقد رأيتنا نسلّم عليه باسم الخلافة في حياة رسول اللّه ، فماذا في قتال معاوية وأصحابه !؟ وإنّما هم أشباه البهائم ، ثمّ أتى بهم معاوية ليوردهم النار و يشعرهم العار ، و إنّ فاطمة عليهاالسلام تنادي عُمَرَ : يابن السوداء ! و اللّه لولا أن يصيب البلاء من لا ذنب له لدعوت اللّه أن يطبق عليكم أحشا مكّة و المدينة ، و لوجدت اللّه سريع الإجابة .
فقال الناس : فلا جزيتم عنّا خيرا يا أصحاب محمّد ، إنّكم شهدتم وغبنا ، فهلا أعلمتمونا؟
قال تميم بن بجدل : وبدر الناس إلى عديّ بن حاتم ، فخشي أن يتفرّق الناس عن عليٍّ عليه السلام ، فأمسك .
قلت لداود بن يزيد : كيف خشي؟
قال : لأنّ عليّا عليه السلام كان يقاتل معاوية بشنعة . . . أبي بكر وعمر إلا أقلّهم ، فخشي عديّ أن يتفرّق الناس عن عليٍّ ، فيرون أنّ أصحاب عديّ بن حاتم ـ الشاهدين مقالته يومئذٍ ـ كانوا أصحاب البصائر ، وهم شرطة الخميس .
فقيل له : هل قلت يوم بيعة أبي بكر شعرا؟ قال : نعم ، وأنشد شعرا :
أبا حسن صبرا وفي الصبر عصمة وفيه نجاة المرء في السرّ والجهر
ألم تر أنّ الصبر أحجى بذي الحِجى وأن ابتدار الأمر شين على الأمر
وقد لقي الأخيار قبلك ما لقوا وأُودَوا عباد الله في سالف الدهر
وقال قيس بن سعد بن عبادة :
أيا صارفا عن مطلب الحقِّ رأيهبأيِّ سبيل ما سوى الحقّ تطلب
ألا كيف بالأمر الذي أنت تبتغي وأنت ضليل والطريقة أنكب
فإن كنت بالقربى تناولت فصلها فإنّ ذوي القربى أحقّ وأقرب
وإن كنت بالشورى حججتَ خصيمهم فكيف أسدت والمشيرون غيّب؟
وإن كنت بالتقوى وبالفضل نلتها فإنَّ عليّا منك أزكى وأطيب
ولا يستوي من أصبح الرجس فيهم ومن عنهم الرحمن للرجس يذهب
وله أيضا في مرثية أبيه :
لقد علمت أبناء قيلة أنّني غداة الفجاة سرّها ولباسها

وإنّي متى أُظلم أمدّ لظالمي سماوات حلم مستهلاًّ سحابها
وقالوا دهى سعدا من الجنّ عارضغدا هالكا منه وذا لكذابها
أتغتصب الجنّ النفوس فمن رأىبعينيه ميّت قد عراه اغتصابها۳
ولكن عسى أن يعتري النفس حائلوإن كان عنها ليس يعني سحابها
سأُصبر نفسي ما استطعت فإن أبتوجلّت رزاياها وحلّ مصابها
فلي بعليّ أُسوة وبفاطمغداة محي بعد الكتاب كتابُها
ولأروى بنت الجرير بن عبد المطّلب يوم السقيفة حين بويع أبو بكر :
أفاطم قومي واندبي خير هالك وأكرم ثاوٍ في التراب مغيّب
وقولي صلاة اللّه يا أبتي اعتدت عليك وراحت من نبيّ مقرّب
جزاك عن الإسلام ربّك صالحا وعنّي جزاك الله بالخير من أب
ولم تدرِ ماذا بعد فقدك أحدثت عديّ وتيم عندنا من مكذب
يقولون لم يورث أبوك فَنَهْنِهيرويدك عنّا واقصري يا ابنة النبيّ
وقيد عليّ نجوهم وهو كاره كمثل بعير في الأباعر أجرب
وظلّوا عليه ماسحين أكفّهم ولم يظفروا عنه الغداةَ بمطلب
لخالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان :
نقمت عليَّ بنو أُميّة أنّني انعى النجاة وللنجاة أزيد
أهوى عليّا والحسين وصنوه عهدي بذلك مبدئٌ ومُعيدُ
لو أنّني يوم الحسين شهدته لنصرته ربّي بذاك شهيد
يا ليت لم يكُ لي معاوية أبا في العالمين ولا الشقيّ يزيد

واللّه يُخرِجُ من خبيثٍ طيّبا جاء القران بذاك وهو وليد
يا هاشم المبعوث فينا أحمدإنّ المُطيفَ ببعضكم لسعيد
في كلّ يوم خمسة مفروضةيعلو الأذان بذكركم ويشيد
ولكم مساكنه وأهل جوارهومرافقوه وحوضه المورود
وإذا تشاء سقيتم مَنْ شئتموعدوّكم عنه الغداة مرود
قال أبو بردة بن أبي موسى الأشعري :
أنا ابن مشتّتِ الإسلا م لمّا صيّر الحكما
أزلّ عن الورى علما وأنصبَ للورى صنما
ولم يخدع كما زعموا ولكن كان متّهما۴
لمحمّد بن أبي بكر :
أنت لا شكَّ أبي أنت أبي۵خاب من أنت أبوه وافتضح
إنّما أخرجني منك الذيأخرج الدرّ من الماء الملح
يا بني الزهراء أنتم عدّتيوبكم في الحشر ميزاني رجح
وإن أنصحت موالاتي لكملا أُبالي أيّ كلب قد نبح
قيل : لمّا سمع النابغة الجعدي اجتماع الناس في السقيفة ـ وكان قد كفّ بصره ـ فلقي قيسَ بن صرمة وعمران بن حصين فقال لهما : ما وراءكما؟ فقال قيس بن صرمة :
أصبحت الأُمّة في أمرٍ عجب والأمر فيهم قد غدا لمن غلب
فقلت قولاً صادقا غيرَ كذب إنّ غدا يهلك أعلامُ العرب
ثمّ أخبراه ، فقال لهما : فما فعل عليّ بن أبي طالب؟ قالا : إنّه مشغولٌ بجهاز رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فقال : احملا لي هذه الرسالة وعرّفاه عذري في التأخير عنه . ثمّ قال :
قولا لأصلع هاشم إن أنتما لاقيتماه فقد حللت أُرومها
وإذا قريش بالفخار تساجلت كنتَ الجدير بها وكنتَ زعيمها
وعليك سلّمت الغداة بإمرة للمؤمنين فما رعت تسليمها
يا خير جملته بعد محمّد أنثى وأكرم هاشم وعظيمها
نكثت بنو تيم ابن مرّة عهده فتبوأت نيرانها وجحيمها
وتخاصمت يوم السقيفة والذيفيه الخصام غدا يكون خصيمها۶
روي أنّ الكميت بن زيد قال : أنشدت لحضرة الباقر عليه السلام :
إنّ المصِرَّين على ذنبيهما والمخفيا الفتنة في قلبيهما
والخالعا العقدة من عنقيهما والحاملا الوزر على ظهريهما
كالجبت والطاغوت في مثليهما فلعنة اللّه على روحيهما
قال : فضحك الباقر عليه السلام وعلى آبائه الطاهرين . ۷
قال مالك بن الحارث الأشتر يوم الجمل لعائشة :
يا ربّة الهودج يا أُمّنا قتلتِ أولادكِ ما ذنبنا
هبك جعلناك إماما لنا فمن إذا حضت يصلّي بنا
وقال عبد اللّه بن العبّاس لعائشة يوم خرجت بالعسكر على البغلة لقتال نعش الحسن بن عليّ عليهماالسلام حين وجّه إلى الروضة :

تجمّلتِ تبغّلتِ وإن عشتِ تفيّلتِ لكِ التسع من الثمن وبالكلِّ تملّكتِ۸
وهذه أبيات تخلّلت ، ورجعنا إلى الأخبار والحكايات.

1.الأعراف (۷) : ۱۵۰.

2.كتاب سليم بن قيس ۲ : ۵۹۳ مع تفاوت.

3.الصراط المستقيم ۳ : ۱۰۹ وقد ذكر بيتين فقط.

4.حكاه عن أبي بردة في الصراط المستقيم ۳ : ۱۷۷ .

5.في حاشية النسخة : «يا أبانا قد وجدنا ما صلح...خ».

6.تقريب المعارف : ۱۳۵ ـ ۱۳۶.

7.الصراط المستقيم ۳ : ۲۹.

8.حكاه في الصوارم المهرقة : ۱۵۹ عن ابن عباس ؛ والاحتجاج : ۳۷۸ عن محمّد بن أبي بكر.


العقد النّضيد و الدّر الفريد
160
  • نام منبع :
    العقد النّضيد و الدّر الفريد
    المساعدون :
    اوسط الناطقي، علي؛ شهرستاني، سيد هاشم؛ فرادي، لطيف
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1423 ق / 1381 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 39207
الصفحه من 243
طباعه  ارسل الي