41
العقد النّضيد و الدّر الفريد

العقد النّضيد و الدّر الفريد
40

الحديث الحادي والثلاثون

۰.عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبد اللّه بن عباس أ نّه قال :إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا في المسجد إذ دخل عليه رجلان فاختصما إليه، وكان أحدهما من الخوارج ، فتوجّه الحكم على الخارجيّ فحكم عليه أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له الخارجي : واللّه ما حكمت بالسويّة ولا عدلت في الرعيّة ۱
، وما قضيّتك عند اللّه تعالى بمرضيّة !
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام ـ وأومأ بيده إليه ـ : «اِخسأ يا عدوّ اللّه !» فاستحال كلبا أسود!
فقال ابن عباس ۲ : فواللّه لقد رأينا تطاير ثيابه عنه في الهواء ، وجعل يتبصبص لأمير المؤمنين عليه السلام ، ودمعت عيناه في وجهه ، ورأينا أمير المؤمنين قد رقَّ له ، فلحظ السماء وحرَّك شفتيه بكلام ، فواللّه لقد رأيناه وقد عاد إلى حال الإنسانيّة ، وتراجعت ثيابه من الهواء حتّى سقطت على كتفيه ، فرأيناه وقد خرج من المسجد وأنّ رجليه ليضطربان!! فبهتنا ننظر إلى أمير المؤمنين[ عليه السلام ] فقال [ لنا ] : «ما بالكم تنظرون وتتعجّبون؟!» فقلنا : يا أمير المؤمنين ، كيف لا نتعجّب وقد صنعتَ ما صنعتَ؟!
فقال : «أما تعلمونَ أنَّ آصف بن برخيا وصيّ سليمان بن داود عليه السلام قد صنع ما هو قريب من هذا الأمر ، فقصّ اللّه عز و جل قصّته حيثُ يقول : « أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِى قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ * قَالَ الَّذِى عِندَهُو عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَـبِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِى قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُو قَالَ هَـذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِى ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ . . .»۳ إلى آخر الآية ، فأيّهما أكرم على اللّه تعالى : نبيُّكم أم سليمان؟».
قالوا : إنّ نبيَّنا صلى الله عليه و آله وسلم أكرم يا أمير المؤمنين .
قال : «فوصِيُّ نبيِّكم أكرم من وصيِّ سليمان ، وإنّما كان عند وصيّ سليمان من اسم اللّه الأعظم حرف واحد ، فسأل اللّه عز و جل فخسف له الأرض ما بين أرض ۴ بلقيس وبينه، وتناوله في أقلّ من طَرْفِ العَين ، وعندنا من اسم اللّه الأعظم اثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند اللّه تعالى استأثر به دون خلقه» .
فقلنا ۵ له : يا أمير المؤمنين ، فإذا كان هذا عندك ما حاجتك إلى الأنصار في قتالِ معاوية واستنفارك الناس إلى حربه ثانية؟!
فقال : « «عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُو بِالْقَوْلِ وَ هُم بِأَمْرِهِى يَعْمَلُونَ»۶ إنّما أدعو هؤلاء القوم إلى قتاله لثبوت الحجّة ، وكمال المحنة ، ولو أذن [ لي ] في إهلاكه لما تأخّر ، لكنّ اللّه تعالى يمتحن خلقه بما شاء» .
[ قالوا : ] فنهضنا من عنده ونحن نعظّم ما أتى به عليه السلام . ۷
وروي هذا الخبر عن عمّار بن ياسر أيضا، قال : إنّه لمّا دخل أمير المؤمنين الكوفة ، أَمرني أن أُنادي في الناس أنّ أمير المؤمنين يجلس في القضاء ، فناديت فلم يبقَ في الكوفة أحد ممّن تقدر على الحركة إلاّ حضر ، حتّى رأيت الناس قد تكدّس بعضهم على بعض ، وامتلأ المسجد الجامع ولم يكن فيه موضع خالٍ .
قال عمّار : فتقدّم إليه رجلان يختصمان ، فقضى لأحدهما على الآخر ، فقال الذي قضى عليه : يا بن أبي طالب ، واللّه ما قضيت بالسويّة، ولا عدلت في الرعيّة، ولا حكمت بالكتاب، فحسبك اللّه عز و جل !
قال عمّار : فنظرت إلى أمير المؤمنين وقد تغيّر لونه وامتلأ غيظا ، ثمّ قال للرجل :
«إن كنت كاذبا في قولك فمسخك اللّه كلبا» .
قال عمّار : فواللّه الذي بعث بالحقّ نبيّا ، ما استتمّ عليٌّ الكلام حتّى تطايرت أثوابه عنه ونحن ننظر إليه ، فمسخه اللّه كلبا ، فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا : ألا ترون ما أتانا به عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام ؟!
ثمّ رأيته وقد قام ومَدَّ يده إلى السماء ودعا بدعواتٍ دعا بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم حين أخرجه إلى حرب عمرو بن عبد ودّ ، فردّ اللّه الرجل كما كان منكسا رأسه وهو يقول : أنا تائب إلى اللّه فيما قلتُه يا أمير المؤمنين .
قال عمّار : فواللّه ما جسر أحدٌ يتقدّم إليه ، فتقدّمت إليه فقلت : يا أمير المؤمنين، لك مثل هذه من المقدرة عند اللّه وأنت تستنهض الناس إلى حرب معاوية بن هند؟
فنظر إليَّ شرزا ثمّ قال : «إليَّ يا عمّار لعلّه قد ضعف يقينك!» فقلت له : يا أمير المؤمنين، ما ضعف يقيني .
فقال لي : «يا عمّار ، أيّهما أَخْيَر وأكرم عند اللّه : محمّد أو سليمان بن داود؟» فقلت : لا ، بل محمّد . فقال : «فأيّهما أخير وأكرم عند اللّه : وصيّ محمّد وأخوه وزوج ابنته وأبو سبطيه وابن عمّه ، أم وصيّ سليمان؟» فقلت : بل أنت يا أمير المؤمنين ، فقال لي : «ليس سليمان كلّمه الهدهد فقال له ما قال من أمر المرأة وعرشها ، فقال سليمان : «أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِى قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَ إِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ»۸ ، فقال آصف بن برخيا ، وهو الذي ذكره اللّه تعالى في كتابه : «قَالَ الَّذِى عِندَهُو عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَـبِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِى قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ» . ۹ ؟! فكان ذلك وصيّ سليمان وأنا وصيّ محمّد» .
قال عمّار : ثمّ نظرتُ إليه وقد غضب غضبا شديدا، ثمَّ قال لي : «يا عمّار، إنّ اللّه تعالى يأمركم بمجاهدة الكفّار [ والمنافقين ]والناكثين والقاسطين والمارقين ، واللّه
لو شئت لمددت يدي هذه القصيرة في أرضكم هذه الطويلة وضربت بها صدر معاوية بالشام وأخذت من شاربه!» [ أو قال : من لحيته ] ، فمدَّ يده عليه السلام وردَّها وفيها شعرات كثيرة ، فقاموا وتعجّبوا من ذلك . ثمّ اتّصل الخبر بعد مدّة بأنّ معاوية سقط من سريره في اليوم الذي كان أمير المؤمنين عليه السلام مدّ يده فيه ، وغشي عليه ثمّ أفاق وافتقد من شاربه شعرات كثيرة ۱۰ .

1.في المصدر «القضيّة».

2.في المصدر : «فقال من حضره».

3.النمل (۲۷) : ۳۸ ـ ۴۰.

4.في المصدر: «سرير».

5.في المصدر : «فقالوا».

6.الأنبياء (۲۱) : ۲۶ و ۲۷.

7.رواه الشريف الرضي في خصائص الأئمّة : ۴۶ ، من أعلامه ودلائله ؛ وقريب منه في البحار ۴۱ : ۲۰۳/۱۷ عن الخرائج والجرائح : ۸۶ ؛ ومشارق أنوار اليقين : ۷۶ ؛ مدينة المعاجز ۱ : ۳۱۰ ؛ ينابيع المودّة : ۳۴.

8.النمل (۲۷) : ۳۸ ـ ۴۰.

9.ينابيع المودّة : ۳۴.

  • نام منبع :
    العقد النّضيد و الدّر الفريد
    المساعدون :
    اوسط الناطقي، علي؛ شهرستاني، سيد هاشم؛ فرادي، لطيف
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1423 ق / 1381 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 39135
الصفحه من 243
طباعه  ارسل الي