45
العقد النّضيد و الدّر الفريد

العقد النّضيد و الدّر الفريد
44

الحديث الثاني والثلاثون

۰.قريب ممّا مرّ ، يروى عن سيّدنا الصادق، عن أبيه الباقر ، عن أبيه السجّاد[ عليهم السلام ]قال:
«حدّثني جابر بن عبد اللّه الأنصاري في بعض الأيّام بعد مضيّ أمير المؤمنين عليه السلام، قال :
أُحدّثك يا سيّدي بحديثٍ رأيت من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وسمعته ، قال : كنت جالسا في بعض الأيّام [ مع ] جندب بن جنادة الغفاري سيّد بني غفار وأبي الهيثم بن التيّهان وعمّار بن ياسر وأبي الأسود وجماعة من أصحابه عليه السلامفي زقاق الحبشة بالكوفة في صيف شديد الحرّ ، فاجتاز بنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في تلك الساعة مارّا نحو البادية بلا حذاءٍ ولا رداءٍ ، مكشوف الرأس ، وإنّ المبين من ورائه مثل النعامة البيضاء ، قال : فما كلَّمَنا ومضى .
قال بعضنا لبعض : هذا رجل قد وتر الدنيا ورماها عن كبد قوس واحدة وهو مارّ بين هذه القبائل بلا سيف ولا عترة وليس نأمن عليه من بعض جهّال هذه القبائل أن يعتريه بما لا يتلافاه ، فهل لكم أن نحتملَ على أسيافنا ونلحقه؟ فأجمع رأينا على ذلك وانصرفنا إلى منازلنا واتبعناه عليه السلام ، فلمّا صار في الصحراء التفت فنظر إلينا، فدعاني إليه وقبض على يدي وسار وسرت معه ، فلمّا صار في الصحراء رأيت علوّ نفسه وظهر فيه من الانكسار ، فتنفّستُ الصعداء ، فقال : «علامَ تنفّست يا جابر؟»
فقلت : على الدنيا .
فقال : «لذّات الدنيا سبعة : مأكولٌ، ومشروبٌ، ومشمومٌ، وملبوسٌ، ومنكوحٌ، ومركوبٌ، ومسموعٌ . وألذّ المأكولات العَسَل وهو من ذبابة ، وألذّ الملبوسات الحرير وهو لعاب دودة ، وألذّ المشمومات المسك وهو من دم فأرة ، وألذّ المركوبات الخيل وهي من القواتل ، وألذّ المسموعات الغناء والترنّم وهو إثم ، وألذّ المشروبات الماء وحسبك خيره وإباحته ، وألذّ المنكوحات النساء ـ وإنّما يراد أحسن ما في المرأة لا قبح حال فيها ـ فعلى ما هذا وزنه من الدنيا فتنفّست الصعداء!» ۱ .
قال جابر : فأمسيت من أزهد الناس في الدنيا ، وسرنا والشمس قد قامت في أُفق السماء ، وإذا بشخص قد أقبل في البريّة ما رأيت أقبح منه منظرا ولا أوحش منه وجها يجرّ لحيته في الأرض ، إذ وثب على أمير المؤمنين فقبض على جِرِبّانه ۲ . فقال : يا بن أبي طالب ، قتلت الرجال وأيتمت الأولاد ، آللّه أذن لك بهذا أم على اللّه تفترون؟!
قال : فتفل أمير المؤمنين عليه السلام تفلة عظيمة وقال : «اِخسأ فتأفّف!» فواللّه لقد رأيته فقد مسخ فصار بين الكلب والثعلب ، له عواء ما رأيت أقبح منه ولا سمعت .
فقلت : يا أمير المؤمنين ، لك مثل هذا المحلّ وابن هند آكلة الأكباد يضرب وجهك بالسيف؟! قال : فقبض يده على الهواء قبضة، فرأيت معاوية في يده وقد جمع بين جِربّانه وذيله، وقال : «هو» قلنا : هذا هو الملعون !
فقال أمير المؤمنين : «نحن عباد مكرمون لا نسبق مولانا بالقول ، ونحن بأمره نعمل» ثمّ زحّ به فغاب عن أعيننا ، ثمّ قال : «إلى وقته» .
وحكى لنا جماعة من أهل الشام ممّن كان بحضرة معاوية في ذلك الوقت أنّهم قالوا : رأيناه وقد اختطف من بين أعيننا، فطارت قلوبنا وشخصت أبصارنا إلى الهواء إلى أن غاب ، ثمّ عاد إلى موضعه وغشي عليه حتّى فاتته صلاتان ، فلمّا أفاق قال : يا أسحر بني عبد المطلب ! واللّه لقد أخذني عليّ بن أبي طالب في تلك الساعة في يده ، أفرأيتم أعجب من هذا السحر ؟!

1.نحوه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ۲۳۳ في الحكم والأمثال ؛ وأخرجه في بحار الأنوار ۷۵ : ۱۱ ، ح ۶۹ ، ونحوه أيضا : بحار الأنوار ۶۱ : ۲۴۰ باختلاف في الألفاظ ، وبتقديم وتأخير.

2.الجِرِبّان والجُرُبّان من القميص : طوقه .

  • نام منبع :
    العقد النّضيد و الدّر الفريد
    المساعدون :
    اوسط الناطقي، علي؛ شهرستاني، سيد هاشم؛ فرادي، لطيف
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1423 ق / 1381 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 39103
الصفحه من 243
طباعه  ارسل الي