97
العقد النّضيد و الدّر الفريد

الحديث الحادي والثمانون

۰.عن إدريس بن هشام قال :. كنت أغدو إلى جامع الكوفة . . . وذلك بعد مضيّ أمير المؤمنين عليه السلام ، فإذا أنا برجل قائم يصلّي إلى أُسطوانة في الجامع وهو يبكي ويتضرّع ويقول : مشهورا في السماء ، مشهورا في الأرض ، جهد الخلائق في إطفاء نورك وإخمال ذكرك ، فأبى اللّه لنورك إلاّ ضياءً ، ولذكرك إلاّ علوّا !
فدنوت منه وقلت : من أنت؟ ومن هذا الذي تصفه بهذا الوصف؟ فقال : أمّا أنا فعبد اللّه ، وأمّا من أصفه فعليّ بن أبي طالب عليه السلام .
قلت : إنّ الذي تصفه لعظيم ، فأيّ شيءٍ دليله عندك؟ وما الذي دعاك أن تقول فيه هذا القول؟
فقال : ما أُبالي ما طرقني بعده من طوارق الدهر وحوادثه إذ كان لا مندوحة عنه ولا عوض منه . فقلت له : أخبرني بما عندك لأعلمه . فقال : أوَيغيضُك ذلك أو يرضيك؟ فقلت : بل يرضيني ، فقال : إنّي محدّثك فكن بأيّ حالٍ شئت :
اعلم أنّي رجل من أهل الدسكرة ، وأنّي كنت يهوديّا أحمل من الدسكرة طعاما وأبيعه بالكوفة ، وأنّي حملت في بعض الأيّام طعاما فلمّا صرت بالنخيلة من الكوفة ليلاً هبّت ريحٌ عظيمة ، فجلست موضعي لتزول الريح وأسير إلى الكوفة ، فبقيت على ذلك حتّى هدأت الريح ، فقمت أطلب دوابّي فلم أقف لها على أثر ، فأيقنت أنّها قد اختلست ، فأقبلت حتّى دخلت الكوفة ليلاً ، وكنت قد قرأت في التوراة : أ نّه يكون لمحمّد عليه السلام ابن عمّ يسمّى عليّا وأَنه ينزل الكوفة ويردّ الضالّة ، فقلت : واللّه لأقصدنّ الجامع ، فإن يكن هناك ، أستغيث به .
فأتيت الجامع فوجدته في هذا الموضع قائما يصلّي ، فقلت في نفسي : كيف أُخرجه من صلاته؟ فلمّا فرغ وبصر بي قال : «ما شأنك يا أخا اليهود؟ هلك طعامك و دوابّك؟» قلت : نعم يا سيّدي ، فقال : «في النخيلة؟» قلت : نعم ، قال : «امضِ» فخرج وخرجت ، فجعل يمشي وأنا على أثره حتّى أتى النخيلة ، فوقف هناك مليّا ثمّ تكلّم ، فسمعت صراخا وضجيجا واستغاثة وقائلاً يقول : لم نعلم يا أمير المؤمنين ، ولا نعاود إلى مثل ذلك! فقلت : لا شكّ أ نّه يخاطب الجنّ ، فبينا أنا كذلك إذ أبصرت إلى الدوابّ والطعام عليها بحاله .
فقال لي : «سق» فجعلت أسوق وهو بين يديّ حتّى وافى الكوفة ولم ينفجر الصبح ، فلمّا صرت إلى سوق الطعام قال : «حطّ هاهنا وارتقبني ولا تبع شيئا حتّى أُوافيك» وتركني ومضى .
فأصبح الناس وأُقيمت سوق الطعام ، وامتنع الناس عن الشري والبيع ولم يقلب أحد شيئا ممّا في السوق من الطعام ، واجتمع الناس عليَّ يقولون لي : افتح طعامك وبع حتّى نشتري ، فأقول : ليس لي حاجة إلى البيع ، فيقولون : إنّا لا نشتري شيئا ممّا في الأسواق ولا يبيع أحد شيئا حتّى تبيع طعامك ، فأقول : إنّ لي شريكا قد أنتظره ليحضر ، فبينا نحن كذلك حتّى أقبل أمير المؤمنين ، فقام القوم إليه وأثنوا عليه وقالوا : هل من حاجة؟ قال لهم : «خيرا».
ثمّ قال لي : «أحلل طعامك واجلس ، فإنْ أحببت أكيل أنا وتزن أنت ، وإن أحببت أزن أنا وتكيل أنت» فقلت : لا ، بل تزن أنت وأكيل أنا ، فجعل يزن وأنا أكيل حتّى اكتفى سائر من كان في السوق من التجّار وغيرهم ، ولم يبع أحد في ذلك اليوم شيئا من الطعام .
ثمّ إنّ أمير المؤمنين جمع المال وحمله على بعض الدوابّ، وكان مقداره ستّين ألف درهم ، والطعام مقدار كرّين .
فقلت له : يا سيّدي ، تأخذ منه شطره فقد جعل اللّه فيه بركة عظيمة ما جعلها لأحد ، فقال : «خذه لك ، فإنّا لا نأخذ على فعلٍ جزاء».
فرجعت إلى الدسكرة وقد شغلني قلبي فكره وما رأيت منه .
ثمّ اتّجه لي خروج إلى الشام ، فخرجت بتجارة ، فلمّا دخلت إلى الشام كنت أبيع
بها ما معي من المتاع، فإذا جرى بيني وبين أحد خلاف قلت : حلفت بحقّ أمير المؤمنين عليّ ، فلمّا أن رأوا منّي ذلك أهل الشام أدّوه إلى معاوية ، فأرسل إليّ وقبض عليّ وعلى ما كان معي من المتاع وحبسني ، فلمّا كان في الليل دعاني وقال لي : ويلك! أنت يهوديّ من دسكرة الكوفة ، فأيّ شيءٍ أسداه إليك عليّ بن أبي طالب حتّى لهجت به وتذكره؟ فقصصت عليه قصّته .
فقال : بلغ كذبكم على اللّه وادّعاؤكم عليه وكذبكم على موسى عليه السلام واتّخاذكم العجل من بعده حتّى عدلتم إلى عليّ بن أبي طالب تدّعون له الربوبيّة!!
فقلت له : يا معاوية ، الذي تقوله هزل، إلاّ أنّ ما قلته في عليّ بن أبي طالب فإنّه جدّ . وقال : وتلك كذلك؟ فقلت : أجل .
فقال لحاجبه : خذه وقيّده وغلّه وأودعه السجن ، وليكن في أضيق موضع ، ويعلم أنّ عليّ بن أبي طالب ليس هو كما يصف .
فأخذني الحاجب وقيّدني وغلّ يدي إلى عنقي وأودعني السجن ، فأقمت به ليلتي ، فلمّا كان من الغد دخل عليّ حاجبه فقال لي : إنّ أمير المؤمنين معاوية يقول لك : اكتب إلى عليٍّ حتّى يخرجك من حبسك كما ردّ عليك ضالّتك!!
فقلت له : إنّك لتقول باطلاً ، ما للمؤمنين أمير سوى عليّ بن أبي طالب ، فخرج ولم يلبث فرجع وقال للسجّان : خذ ما في عنقه ورجله من الحديد!
فقلت له : أليس قد تواعدتني عن معاوية أ نّه بعثك إليّ يقول لي : اكتب إلى عليّ بن أبي طالب حتّى يخرجك من السجن كما ردَّ عليك ضالّتك بالكوفة؟!
قال : بعثني الآن لأُحضرك بين يديه . فقلت له : أيريد قتلي؟ فقال : لا علم لي .
فخرجت من السجن وأنا أظنّ أنّ معاوية يريد قتلي ، فدخلت عليه في قصره وإذا له ضجيج وصياح عظيم ، وهو يدور في قصره ، وعليه عوذ بعنقه كبيرة .
فلمّا بصرني قال : يا يهوديّ ، لك أماني وقضاء كلّ حاجة تسألني إن أزلت عنّي ما أجده! فقلت : وما تجد؟ [ قال : ] عسر البول منذ أمرتُ بك إلى السجن!
ولم أكن سمعت بشيءٍ يصلح لعسر البول ، فبقيت لا أدري ما أقول ، فقال لي معاوية : عجِّل عَلَيَّ! فقلت لخادم له قائم قد أخذه بيده وهو متّكئ عليه : بُلْ ، يا خادم في إناءٍ واسْقِ مولاك ، فإنّه يزول!
فقال معاوية للخادم : عجِّل عليّ بما قال ، فليس هذا من طبّه ، ولا هذا إلاّ من تلقين عليّ بن أبي طالب له ، ولا واللّه ما سمعت هذا الذي قلته من أحد ، وإنّما أردت أن أُكلّمه بما احتجر به عنه ، وأومأ إلى الخادم إلى إناء فضّةٍ وبال فيه وناوله معاوية فشربه ، وإنّه ما استتمّ شرب ذلك حتّى بدر بوله على أفخاذه وفي ثيابه! فقال : يا لها من فضيحة وشهرة من عليّ بن أبي طالب ، كم أعهد أنّي لا أعرض إلى أحد يذكر عليّا ثمّ أُخالف ذلك! وشاع ذلك في قصره .
فقال لي معاوية : سل حوائجك وأضف إليها ما أحببت ، وأنا أسألك أن لا يجري ممّا جرى شيءٌ في العراق على لسانك ، وإن سألك عليٌّ عن شيءٍ من ذلك فاكتمه .
فقلت له : لم أَرَ رَأيا أعجب من هذا الرأي! يقول: هذا ليس من طبّك ولا هذا إلاّ من فضائح عليّ بن أبي طالب لك وترجع في ساعتك تقول : لا تبدِ لعليّ بن أبي طالب من ذلك شيئا ، وهو واللّه يا معاوية أعلم بما جرى بيني وبينك منّي ومنك ! فقال معاوية : هو كما قلت يا يهوديّ .
ثمّ إنّه أمر أن يدفع إليّ ما كان معي من المتاع ووصلني بعشرين ألف درهم .
فقال أهل الشام ومن بحضرته من بني أُميّة : ما رأينا مثل هذا اليهوديّ قدم من العراق إلى الشام إلاّ ليسقي معاوية من بول خادمه ، ويأخذ عشرين ألف درهم ، ويرجع بها ويصير أُحدوثة بها في العراق !!
ثمّ إنّ معاوية وكّل بي فأُخرجت من دمشق ، فلمّا دخلت [ كوفة ] ذهبت إلى باب أمير المؤمنين عليه السلام ، فشرفت بلقائه في المسجد والناس محدقون به ، فقال لي صلوات اللّه عليه : «من دمشق وافيت؟» قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، فقال : «سقيت معاوية بول خادمه وأخذت جائزته على ذلك عشرين ألف درهم ، وقد كان عزم
على إيداعك السجن إلى أن تكتب إليّ في خلاصك من السجن كما رددتُ إليك ضالَّتَك» .
فقلت : واللّه يا مولاي أنت أعلم بما كان منِّي ومنه !!
فقال : «امضِ إلى أهلك لا أرغم اللّه إلاّ بأنفه» .
فشاع ذلك بالكوفة، وكان الناس يأْتوني ويسألوني عن حديثه ، فأُخبرهم به .
ثمّ اتّفق لي سفرا إلى البصرة ، فأتيت إلى أمير المؤمنين فقال لي :
«إِنَّك لتمضي إِلى البصرة، فيكون منك كيْتَ وكيت ، ويجري عليك كيت وكيت ، وأَعظمها محنةً أَنَّك لا ترى عليّا بعد وقتك هذا» .
فقلت : يا سيّدي ، لأيّ سخط حال منك عليَّ؟ أم لماذا؟
فقال عليه السلام : «لا سخط عليك ، بل رحلة وغيبة إلى أَجلٍ» .
فقلت : يا سيّدي ، فأمتنع عن قصدي لأشهدك في ذلك الوقت؛ فهو أسرّ إلى قلبي وأبرّ عندي .
فقال عليه السلام : «امضِ لشأنك موفّقا» .
وقد كان شرح لي أُمورا يطولُ شرحها ، عاينتها ووجدتها كما قال عليه السلام ، ما أخلّ منها شيءٌ !
فلمّا كان من سفري مدّة ستّة أَشْهُرٍ ، قيل بالبصرة : قُتل عليّ بن أبي طالب .
فقلت : إنّ عليّا لا يُقتل ! فدخلت الكوفة وبها كل خارج وخارجة ، فسلّمت جميع ما حوته يدي إلى أهلي وولدي ، وخرجت عنهم ودخلت الجامع ، وآليت أن لا أبرح من عند هذه الأُسطوانة حتّى ألحق به ، أفتعنّفني بما سمعت منِّي ؟!
فقلت له : ما أُعنّفك ، وتركته وانصرفت . فلمّا كان في اليوم الثالث سمعت النداء : مات فلان اليهوديّ مولى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فحضرت فيمن حضر ، وصلّى عليه جميع أهل الكوفة ، ثمّ دفن رحمه الله .


العقد النّضيد و الدّر الفريد
96

الحديث التاسع والسبعون

۰.بإسناده إلى سعيد بن جبير ، عن عبد اللّه بن عبّاس قال :.
كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم [ عليلاً ] في بيته، فغدا عليه عليّ بن أبي طالب عليه السلامالغداة ، وكان يحبّ أن لا يسبقه إليه أحد ، فدخل فإذا النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم نائم في صحن الدار ورأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي ، فقال : «السلام عليك ، كيف أصبح رسول اللّه ؟» قال [ دحية ] : بخير يا أخا رسول اللّه ، فقال له عليّ عليه السلام : «جزاك اللّه عنّا أهل البيت خيرا».
قال له دحية : إنّي أُحبّك وإنّ لك عندي مدحة أزفّها إليك : أنت أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين ، وأنت سيّد ولد آدم يوم القيامة ما خلا النبيّين والمرسلين ، [ و ] لواء الحمد بيدك يوم القيامة ، تزفّ أنت وشيعتك مع محمّد وحزبه إلى الجنان [ زفّا زفّا ] ، قد أفلح من تولاّك وخسر من عاداك ، بحبّ محمّد أحبّوك ، ومبغضوك لن تنالهم شفاعة محمّد صلى الله عليه و آله وسلم ، اُدنُ منّي صفوة اللّه . فأخذ رأس النبيّ صلى الله عليه و آلهفوضعه في حجره وغاب .
فانتبه النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «ما هذه الهمهمة؟» فأُخبر الحديث ، فقال : «[ يا عليّ ] لم يكن دحية الكلبي ، كان جبرئيل عليه السلام ، سمّاك باسمٍ سمّاك اللّه به ، وهو ألقى محبّتك في صدور المؤمنين ، وهيبتَك ۱ في صدور الكافرين» ۲ .

الحديث الثمانون

۰.بإسناده إلى ابن مسعود قال :. قال رسول اللّه [ صلى الله عليه و آله ] :
«عليّ بن أبي طالب حلقة معلّقة بباب الجنّة ؛ من تعلّق بها دخل الجنّة» ۳ .

1.في المصدر : «رهبك».

2.المناقب للخوارزمي : ۳۲۲ ـ ۳۲۳/۳۲۹ في فضائل له شتّى ؛ أمالي الطوسي : ۶۰۴ ، المجلس ۲۷ ، ح۱۲۵۰/۷ ؛ ورواه منتخب الدين في الأربعون حديثا : ۲۸ الحديث الثامن ، باختلاف في بعض الألفاظ ؛ وابن طاووس في كتاب اليقين : ۴۴ ، الباب ۱۶۷ .

3.المناقب للخوارزمي: ۳۲۴/۳۳۱ في فضائل له شتّى؛ ورواه أيضا الحموينيفيفرائد السمطين۱ : ۱۸۰/۱۴۳.

  • نام منبع :
    العقد النّضيد و الدّر الفريد
    المساعدون :
    اوسط الناطقي، علي؛ شهرستاني، سيد هاشم؛ فرادي، لطيف
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1423 ق / 1381 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 39196
الصفحه من 243
طباعه  ارسل الي