يَا مُحَمَّدَ بنَ إِبرَاهِيمَ ، لَا يَدخُلُكَ الشَّكُّ فِيمَا قَدِمتَ لَهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَلِّي الأَرضَ مِن حُجَّةٍ ، أَلَيسَ قَالَ لَكَ أَبُوكَ قَبلَ وَفَاتِهِ : أَحضِرِ السَّاعَةَ مَن يُعَيِّرُ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ الَّتِي عِندِي ، فَلَمَّا أُبطَأَ ذَلِكَ عَلَيهِ وَخَافَ الشَّيخُ عَلَى نَفسِهِ الوَحَا ۱ قَالَ لَكَ : عَيِّرهَا عَلَى نَفسِهِ ، وَأَخرَجَ إِلَيكَ كِيساً كَبِيراً وَعِندَكَ بِالحَضرَةِ ثَلَاثَةُ أَكيَاسٍ وَصُرَّةٌ فِيهَا دَنَانِيرُ مُختَلِفَةُ النَّقدِ ، فَعَيَّرتَهَا وَخَتَمَ الشَّيخُ عَلَيهَا بِخَاتَمِهِ وَقَالَ لَكَ : اختِم مَعَ خَاتَمِي ، فَإِن أَعِش فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا ، وَإِن أَمُت فَاتَّقِ اللَّهَ فِي نَفسِكَ أَوَّلاً ، ثُمَّ فِيَّ ، فَخَلِّصنِي وَكُن عِندَ ظَنِّي بِكَ .
أَخرِج ـ رَحِمَكَ اللَّهُ ـ الدَّنَانِيرَ الَّتِي استَفضَلتَهَا مِن بَينِ النَّقدَينِ مِن حِسَابِنَا وَهِيَ بِضعَةَ عَشَرَ دِينَاراً ، وَاستَرِدَّ مِن قِبَلِكَ ، فَإِنَّ الزَّمَانَ أَصعَبُ مَا كَانَ ، وَحَسبُنَا اللّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ .
قال محمّد بن إبراهيم : وقدمت العسكر زائراً ، فقصدت الناحية ، فلقيتني امرأة وقالت : أنت محمّد بن إبراهيم ؟ فقلت : نعم ، فقالت لي : انصرف ، فإنّك لا تصل في هذا الوقت ، وارجع اللّيلة فإنّ الباب مفتوح لك ، فادخل الدار واقصد البيت الّذي فيه السراج .
ففعلت وقصدت الباب فإذا هو مفتوح ، فدخلت الدار وقصدت البيت الّذي وصفته ، فبينا أنا بين القبرين أنتحب وأبكي ، إذ سمعت صوتا وهو يقول :
يا مُحَمَّدُ ، اتَّقِ اللّهَ وَتُب مِن كُلِّ مَا أَنتَ عَلَيهِ ، فَقَد قَلَّدتَ أَمراً عَظِيماً . ۲