77
مكاتيب الأئمّة ج7

لعبد الرحمن بن محمّد وشهوتي أن يهديه اللّه عز و جل لهذا الأمر هو ذا أُقرئه الكتاب .
فلمّا مرّ فيَّ ذلك اليوم ـ وكان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من رجب ـ دخل عبد الرحمن بن محمّد وسلّم عليه ، فأخرج القاسم الكتاب فقال له : اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك .
فقرأ عبد الرحمن الكتاب ، فلمّا بلغ إلى موضع النعي رمى الكتاب عن يده ، وقال للقاسم : يا أبا محمّد ، اتّق اللّه ، فإنّك رجل فاضل في دينك ، متمكّن من عقلك ، واللّه عز و جل يقول : «وَ مَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَ مَا تَدْرِى نَفْسُ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»۱ . وقال : «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا »۲ .
فضحك القاسم ، وقال له : أتمّ الآية « إِلَا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ »۳ ، ومولاي عليه السلام هو الرضا ۴ من الرسول . وقال : قد علمت أنّك تقول هذا ، ولكن أرِّخ اليوم ، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرّخ في هذا الكتاب ، فاعلم أنّي لست على شيء ، وإن أنا متّ فانظر لنفسك . فورّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا .
وحُمّ القاسم يوم السابع من ورود الكتاب ، واشتدّت به في ذلك اليوم العلّة ، واستند في فراشه إلى الحائط ، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمناً على شرب الخمر ، وكان متزوّجاً إلى أبي عبد اللّه بن حمدون الهمدانيّ ، وكان جالساً ورداؤه مستور على وجهه في ناحيةٍ من الدار ، وأبو حامد في ناحية ، وأبو عليّ بن جحدر وأنا وجماعة من أهل البلد نبكي ، إذ اتّكى القاسم على يديه إلى خلف وجعل يقول : يا محمّد ، يا عليّ ، يا حسن يا حسين ، يا مواليّ كونوا شفعائي إلى اللّه عز و جل . وقالها الثانية ، وقالها الثالثة .

1.لقمان :۳۴ .

2.الجن : ۲۶ .

3.الجن :۲۷ .

4.وفي البحار : « المرتضى » بدل « الرضا » .


مكاتيب الأئمّة ج7
76

فقام القاسم فعانقه ووضع المخلاة عن عنقه ، ودعا بطشت وماء فغسل يده وأجلسه إلى جانبه ، فأكلنا وغسلنا أيدينا ، فقام الرجل فأخرج كتاباً أفضل من النصف المدرج ، فناوله القاسم ، فأخذه وقبّله ودفعه إلى كاتبٍ له يقال له ابن أبي سلمة ، فأخذه أبو عبد اللّه ففضّه وقرأه حتّى أحسّ القاسم بنكاية ۱ .
فقال : يا أبا عبد اللّه خير ؟ فقال : خير . فقال : ويحك خرج فيَّ شيء ؟ فقال أبو عبد اللّه : ما تكره فلا . قال القاسم : فما هو ؟ قال : نعي الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً ، وقد حُمل إليه سبعة أثواب . فقال القاسم : في سلامة من ديني ؟ فقال : في سلامة من دينك ، فضحك رحمه الله فقال : ما أؤمّل بعد هذا العمر ؟
فقال الرجل ۲ الوارد : فأخرج من مخلاته ثلاثة أُزُر وحِبرة يمانيّة حمراء وعمامة وثوبين ومنديلاً ، فأخذه القاسم ، وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرضا أبو الحسن عليه السلام ، وكان له صديق يقال له عبد الرحمن بن محمّد البدريّ ۳ ، وكان شديد النصب ، وكان بينه وبين القاسم ـ نضّر اللّه وجهه ـ مودّة في أُمور الدنيا شديدة ، وكان القاسم يودُّه ، و( قد ) كان عبد الرحمن وافى إلى الدار لإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمدانيّ وبين ختنة ابن القاسم .
فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه ، أحدهما يقال له أبو حامد عمران بن المفلس ، والآخر أبو عليّ بن جحدر : أن أقرئا هذا الكتاب عبد الرحمن بن محمّد ، فإنّي أُحبّ هدايته وأرجو ( أن ) يهديه اللّه بقراءة هذا الكتاب ، فقالا له : اللّه اللّه اللّه ، فإنّ هذا الكتاب لا يَحتمل ما فيه خَلقٌ من الشيعة ، فكيف عبد الرحمن بن محمّد .
فقال : أنا أعلم أنّي مفشٍ لسرٍّ لا يجوز لي إعلانه ، لكن من محبّتي

1.قال المجلسي : « قال الجزري : يقال نكيت في العدوّ ، أنكى نكايةً ؛ إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل ، فوهنوا لذلك . ويقال : نكأت القرحة أنكؤها ؛ إذا قشرتها » ( بحار الأنوار : ج۵۱ ص۳۱۶ ) .

2.أي بيده : يقال : قال بيده ، أي أهوى بهما وأخذ ما يريد .

3.في البحار : « السنيزي » وفي نسختي « أ ، ف » : « السينيزي » بدل « البدري » .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج7
    المساعدون :
    فرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 57414
الصفحه من 238
طباعه  ارسل الي