337
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

كما يقول : «هَيهاتَ ، لَولَا التُّقى لَكُنتُ أدهَى العَرَبِ» .
وقوله عليه السلام : «وَاللّهِ ما مُعاوِيَةُ بِأَدهى مِنّي ، ولكِنَّهُ يَغدِرُ ويَفجُرُ ، ولَولا كَراهِيَّةُ الغَدرِ لَكُنتُ مِن أدهَى النّاسِ ، ولكِن كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ ، وكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ ، ولِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يُعرَفُ بِهِ يَومَ القِيامَةِ» .
إنّه عليه السلام لعلى دراية بأيّ مكر سياسي يستطيع أن يحبس الأنفاس في الصدور ، كما بمقدوره أن يلجأ إلى سياسة الترغيب والتهديد والتجاوز على حقوق عامّة النّاس ليقضي على ضروب المعارضة والعصيان الداخلي ، بيد أنّ التزامه يُثنيه عن ذلك ، وتربأ به قيمه الإسلاميّة والإنسانيّة من الجنوح إلى هذا المنحدر ، وتعصمه عن التوسّل بالوسائل غير المشروعة . ولطالما كرّر ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ قوله : «إنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ويُقيمُ أوَدَكُم ، وَلكِنّي لا أرَى إصلاحَكُم بإِفسادِ نَفسِي» . ۱
يُشير الإمام في هذا الكلام إلى تلك السياسات والوسائل الفاعلة على صعيد فرض الحكم التسلّطي على المجتمع ، بيد أنّه لا يستطيع أن يلجأ إليها ، لأنّها تنتهي إلى ثمن باهض هو فساد السياسي نفسه !
أجل ، إنّه الإصلاح الَّذي يكون ثمنه فساد المصلح !وهذا الكلام لأمير المؤمنين يعلن أنّ حركة الإصلاح قد تنتهي أحياناً إلى فساد المصلح . ومن ثَمّ فإنّ اُصول المنهج السياسي العلوي لا تسمح لحكم الإمام أن يلجأ الى ممارسة ذلك النمط من الإصلاحات القائم على مرتكزات غير مشروعة ، مثل الإصلاح الاقتصادي الَّذي يكون ثمنه التضحية بالعدالة الاجتماعيّة ، ممّا هو سائد في العالم المعاصر .
إنّ الإمام عليّاً عليه السلام يعرف جيّداً كيف يخدع المعارضين الأقوياء ذوي النفوذ السياسي الهائل ، ويُغريهم بأنّ مصالحهم سوف تتأمّن في إطار حكمه ، ثمّ يعمد إلى

1.نهج البلاغة : الخطبة ۶۹ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
336

ليست قليلة مثل هذه المواقف في حياة الإمام السياسيّة ، حيث حال إصراره على التمسّك بالقيم الأخلاقيّة والإسلاميّة دون وصوله إلى السلطة ، أو أدّى إلى تضعيف قواعد حكمه .
يكتب ابن أبي الحديد في هذا المضمار : «واعلم أنّ قوماً ممّن لم يعرِف حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السلام ، زعموا أنّ عمر كان أسوس منه ، وإن كان هو أعلم من عمر ، ثم زعم أعداؤه ومباغضوه أنّ معاوية كان أسوس منه وأصحّ تدبيراً» . ۱
لكي لا يطول البحث أكثر ، نكل الجواب التفصيلي عمّا اُثير من نقدٍ حيال مواضع خاصّة من سياسة الإمام إلى موضعه المناسب، لنكتفي في هذا المجال بجواب عامّ يعالج جميع الانتقادات الَّتي اُثيرت حول منهجه أو الَّتي يمكن أن تُثار .
وجوهر هذا الجواب : أنّنا إذا أخذنا السياسة بمعنى أنّها أداة لحكم القلوب ، أو أنّها وسيلة لممارسة الحكم على أساس حقوق النّاس والاحتياجات الواقعيّة للمجتمع ؛ فإنّ عليّاً هو أعظم رجل سياسة في التأريخ بعد النبي صلى الله عليه و آله . أمّا إذا كانت السياسة بمعنى الوصول إلى الحكم وفرض السلطة على المجتمع بأيّ طريق ممكن ، فإنّ عليّاً عليه السلام ليس رجل سياسة أصلاً .
بديهي ، لا يعني ذلك أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن يعرف السياسة بهذا المعنى ، إنّما معناه أنّ التزامه بالأحكام الإلهيّة ؛ وتمسّكه بالقيم الأخلاقيّة أثنياه أن يكون سياسيّاً بهذا المعنى ، وإلّا فإنّ الإمام كان أعرف النّاس بألاعيب السياسة وحيلها اللامشروعة من أجل فرض السلطة ، كيف لا ، وهو الَّذي يقول : «لَولا أنَّ المَكر وَالخَديعَةَ فِي النّارِ لَكُنتُ أمكَرَ النّاسِ» .

1.شرح نهج البلاغة : ج۱۰ ص۲۱۲ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 385688
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي