كما يقول : «هَيهاتَ ، لَولَا التُّقى لَكُنتُ أدهَى العَرَبِ» .
وقوله عليه السلام : «وَاللّهِ ما مُعاوِيَةُ بِأَدهى مِنّي ، ولكِنَّهُ يَغدِرُ ويَفجُرُ ، ولَولا كَراهِيَّةُ الغَدرِ لَكُنتُ مِن أدهَى النّاسِ ، ولكِن كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ ، وكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ ، ولِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يُعرَفُ بِهِ يَومَ القِيامَةِ» .
إنّه عليه السلام لعلى دراية بأيّ مكر سياسي يستطيع أن يحبس الأنفاس في الصدور ، كما بمقدوره أن يلجأ إلى سياسة الترغيب والتهديد والتجاوز على حقوق عامّة النّاس ليقضي على ضروب المعارضة والعصيان الداخلي ، بيد أنّ التزامه يُثنيه عن ذلك ، وتربأ به قيمه الإسلاميّة والإنسانيّة من الجنوح إلى هذا المنحدر ، وتعصمه عن التوسّل بالوسائل غير المشروعة . ولطالما كرّر ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ قوله : «إنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ويُقيمُ أوَدَكُم ، وَلكِنّي لا أرَى إصلاحَكُم بإِفسادِ نَفسِي» . ۱
يُشير الإمام في هذا الكلام إلى تلك السياسات والوسائل الفاعلة على صعيد فرض الحكم التسلّطي على المجتمع ، بيد أنّه لا يستطيع أن يلجأ إليها ، لأنّها تنتهي إلى ثمن باهض هو فساد السياسي نفسه !
أجل ، إنّه الإصلاح الَّذي يكون ثمنه فساد المصلح !وهذا الكلام لأمير المؤمنين يعلن أنّ حركة الإصلاح قد تنتهي أحياناً إلى فساد المصلح . ومن ثَمّ فإنّ اُصول المنهج السياسي العلوي لا تسمح لحكم الإمام أن يلجأ الى ممارسة ذلك النمط من الإصلاحات القائم على مرتكزات غير مشروعة ، مثل الإصلاح الاقتصادي الَّذي يكون ثمنه التضحية بالعدالة الاجتماعيّة ، ممّا هو سائد في العالم المعاصر .
إنّ الإمام عليّاً عليه السلام يعرف جيّداً كيف يخدع المعارضين الأقوياء ذوي النفوذ السياسي الهائل ، ويُغريهم بأنّ مصالحهم سوف تتأمّن في إطار حكمه ، ثمّ يعمد إلى