وفضلاً عن ذلك ، فإنّ الإمام كان يميل إلى الاستقالة على نحو يُرضي الخوارج ، غير أنّ الأشعث لم يقبل وأصرّ على أن يعترف الإمام بالخطأ على نحو يسيء إلى مكانته بوصفه قائدا .
ب ـ نقض العهد
ولو افترضنا أنّ الإمام قد اعترف بخطأ ؛ فإنّ الخوارج كان لديهم طلب آخر ؛ وهو نقض الوثيقة بين جيش الشام والكوفة . بينما كان الإمام يرى أنّ التمسّك بالمواثيق يعدّ واحدا من المبادئ الدوليّة في الإسلام ، ولا ينبغي أن ينقض المواثيق تحت أيّة ذريعة كانت . ومن هنا فقد كتب في عهده إلى مالك الأشتر :
«وإن عَقَدتَ بَينَكَ وبَينَ عَدُوِّكَ عُقدَةً أو ألبَستَهُ مِنكَ ذَمَّةً ، فَحُط عَهدَكَ بِالوَفاءِ ، وَارعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمانَةِ ، وَاجعَل نَفسَكَ جُنَّةً دونَ ما أعطَيتَ ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ مِن فَرائِضِ اللّهِ شَيءٌ النّاسُ أشَدُّ عَلَيهِ اجتِماعا ، مَعَ تَفَرُّقِ أهوائِهِم وتَشَتُّتِ آرائِهِم ، مِن تَعظيمِ الوَفاءِ بِالعُهودِ . وقَد لَزِمَ ذلِكَ المُشرِكونَ فيما بَينَهُم دونَ المُسلِمينَ لَمَّا استَوبَلوا مِن عَواقِبِ الغَدرِ ؛ فَلا تَغدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ ، ولا تَخيسَنَّ بِعَهدِكَ ، ولا تَختِلَنَّ عَدُوَّكَ ؛ فَإِنَّهُ لا يَجتَرِئُ عَلَى اللّهِ إلّا جاهِلٌ شَقِيٌّ . وقَد جَعَلَ اللّهُ عَهدَهُ وذِمَّتَهُ أمنا أفضاهُ بَينَ العِبادِ بِرَحمَتِهِ ، وحَريما يَسكُنونَ إلى مَنَعَتِهِ ، ويَستَفيضونَ إلى جِوارِهِ ؛ فَلا إدغالَ ولا مُدالَسَةَ ولا خِداعَ فيهِ» . ۱
فإذا كان الإمام عليّ عليه السلام ينقض هذا المبدأ الإسلامي الأساسي ، فما عسانا أن نتوقّع من غيره !
ج ـ خطورة تسلّط الجهلة المتنسّكين
إنّ خطر تسلّط الجهلة المتنسّكين ـ في منظار الإمام عليه السلام ـ لا يقلّ عن خطر العلماء