103
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

بين الناس ، ولم يكن ثمّ خطر يتهدّد حياته ، وإنّ ما يمكن أن تتعرّض له الدعوة من بعده لا يتعارض مع مصالحه الشخصيّة ـ وحاشاه ـ فلماذا يُبادر لحمايتها وتأمين مستقبلها ؟ بل لِيدعها والاُمّة التي ترتبط بها بانتظار المصير المجهول !
أ يليق هذا التصوّر بقائد واقعي ، وسياسي فطن ورسالي مثابر ؟ ! فكيف يصدق هذا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونفسُه الطهور لا تعرف الراحة في سبيل إعلاء كلمة اللّه ، حتى تسلّيه السماء ، ويأتيه النداء الربّاني يدعوه إلى الهدوء : «طـه * مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى »۱ .
وكيف يصدق ذلك على نبيّ اللّه ، وهذه السماء تجسّم معاناته وما يبذله في سبيل هداية الناس : «عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» . ۲
أ وَيجوز أن يخامرنا مثل هذا التصوّر الذي يفترض السلبيّة واللامبالاة ، وقد بلغ من تفاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتضحيته من أجل الرسالة أ نّه لم يترك تدبير أمرها إلى آخر لحظة من حياته ، حيث كان ينادي بتجهيز جيش اُسامة ويحثّ عليه وهو على فراش الموت وقد ثقل عليه المرض ؟ !
أ وَلا تكفينا رزيّة «يوم الخميس» وقد طلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله في آخر لحظات حياته أن يأتوه بدواة وقلم كي يكتب للاُمّة كتاباً لن تضلّ بعده أبداً ، لنكفّ عن هذا التصوّر الواهي ، ونعدّ ما يُزعم من سكوته عن مستقبل الاُمّة جرأة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ودعوى واهية لا تليق بمقام هذا العظيم ، وحريّ بنا أن ننزّه ساحته عنها وعن أمثالها ؟ !
على ضوء ذلك كلّه ، ليس من الممكن افتراض الموقف السلبي بحال من

1.طه : ۱ و ۲ .

2.التوبة : ۱۲۸ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
102

والخطط الشيطانيّة ، شيّدت على أنقاضها بناءً جديداً .
لقد جاء النبيّ صلى الله عليه و آله برسالة تطمح أن تقود العالم ، وتكون لها الكلمة الأخيرة في الحياة الإنسانيّة ، ولمّا أدرك الأعداء هذا المعنى ، دخلوا في مواجهة حامية مع الدين الجديد سخّروا لها جميع قدراتهم ، ولم يكفّوا عن مقارعته حتى الرمق الأخير . ولمّا تبيّن لهم أنّ لغة الصراع المباشر لم تعُد تُغني شيئاً ، لجؤوا إلى المكيدة ، وراحوا ينسجون المؤامرة تلو الاُخرى مكراً بهذا الدين . وهذا واقع معروف لا يستريب به من له أدنى معرفة بالتاريخ الإسلامي .
أ فيجوز بعد هذه المواجهات الحادّة والصراع المرير مع اليهود والقبائل المشركة وبقيّة القوى المعادية ، أن يجنح بنا الخيال فنتصوّر بأنّ هؤلاء ركنوا إلى الهدوء ، وجنحوا إلى السلم ، ولم يعُد لهم شأن بالإسلام ودعوته ؟ ! وهل يصحّ لسياسيّ فطن ، ولقائد كيّس وبصير أن يُغضي عن كلّ هذا الواقع العدائي المتشابك من حول دعوته ، ثمّ يمضي من دون أن يدبّر لحركته الفتيّة برنامجاً يصونها ويؤمّن لها المستقبل ؟ ثمّ هل يكون رسول اللّه صلى الله عليه و آله قائداً خاض جميع هذه المواجهات ، ثمّ يتصوّر أنّ اُمّته امتلكت من الصلابة ما يُحصّنها من جميع هذه المكائد والأخطار ، بحيث لم يعُد يخشى عليها من أحابيل هؤلاء ، وإنّ مكر هؤلاء وقوّتهم قد تلاشت ولم تعُد تؤلّف خطراً ذا بال ؟ !

2 . السلبيّة إزاء المستقبل

العنصر الثاني الذي يمكن أن يوجّه الفرضيّة الاُولى ويقدّم لها تفسيراً منطقياً ، هي أن نفترض أنّ النبيّ القائد يدرك الأخطار التي تحفّ دعوته ، ويتطلّع إلى أهميّة المستقبل بنحو جيّد ، لكنّه مع ذلك لا يحاول تحصين الدعوة ضدّ تلك الأخطار ، لأ نّه يرى أنّ رسالته تنتهي بحياته ، وهو يتحمّل مسؤوليّتها مادام حيّاً ، فإذا لم يعُد

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 302482
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي