107
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

اُطروحة نشأت بمرور الزمن ؛ لتصويب الوقائع المُرّة التي عصفت بالحياة الإسلاميّة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وليس لها منشأ قط أو أساس يدلّ عليها في نصوص رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحياته .
وبهذا تسقط الفرضيّة الثانية .

الفرضيّة الثالثة : تحديد المستقبل والنصّ على الخلافة

هي أن نؤمن بأن رسول اللّه اتّخذ موقفاً إيجابيّاً من مستقبل الرسالة ، وعاش قضيّة هذا المستقبل بمسؤوليّة كبيرة ، بحيث اختار من يخلفه في القيمومة على الرسالة وخلافة الاُمّة . وما واقعة الغدير وما جرى فيها ، ونصوص تلك الخطبة العصماء التي ألقاها بها النبيّ على جموع المسلمين ، إلّا تصريحاً وتأكيداً لما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد أعلنه قبل ذلك مرّات من ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام وإمامة هذا المجاهد العظيم . ۱
لقد اختاره النبيّ منذ أيّام حياته الاُولى ، فنشأ في كنف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتربّى في حجره وتحت رعايته دون أن يدنّس الشركُ لحظةً من حياته الطاهرة . على أ نّه ليس أدلّ على هذه النشأة النظيفة من كلام عليّ عليه السلام نفسه ، وهو يقول :
«وقَد عَلِمتُم مَوضِعي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالقَرابَةِ القَريبَةِ ، وَالمَنزِلَةِ الخَصِيصَةِ . وَضَعَني في حِجرِهِ وأنَا وَلَدٌ ، يَضُمُّني إلى صَدرِهِ ، ويَكنُفُني في فِراشِهِ ، ويُمِسُّني جَسَدَهُ ، ويُشِمُّني عَرفَهُ . وكانَ يَمضَغُ الشَّيءَ ثُمَّ يُلقِمُنيهِ ، وما وَجَدَ لي كَذبَةً في قَولٍ ، ولا خَطلَةً في فَعلٍ ، ولَقَد قَرَنَ اللّهُ بِهِ صلى الله عليه و آله مِن لَدُن أن كَان فَطيماً أعظَمَ مَلَكٍ مِن مَلائِكَتِهِ يَسلُكُ بِهِ طَريقَ المَكارمِ ، ومَحاسِنَ أخلاقِ العالَمِ ، لَيلَهُ ونَهارَهُ .

1.اقتبسنا أنوار هذا التحليل العقلي من الكتاب القيّم «نشأة التشيّع والشيعة» : ص۲۳ ـ ۵۶ للمفكّر الفقيه آية اللّه العظمى الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر ، مع إيضاحات كثيرة منّا وعزو النقولات إلى مصادرها .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
106

لقد كان الباحث مروان خليفات وواحداً من الذين لاح لهم هذا السؤال ، فدفعه إلى البحث والتأمّل . ثمّ أثمرت جولته التي دفعته إلى النصوص الحديثيّة والتاريخيّة ، وأسفرت عن نتيجة مهمّة جدّاً جديرة بالقراءة ، حيث خصّص لها الفصل الثالث من الباب الثاني من كتابه . وهذه خلاصة مكثّفة لما انتهى إليه :
الصحابة يُقلّون السؤال ، ولا يروون إلّا قليلاً ممّا سمعوه .
وقد بذلوا جهدهم في منع تدوين الحديث ، والحؤول دون انتشاره . بالإضافة إلى أ نّهم لم يتلقّوا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا حقائق قليلة ، لانشغالاتهم الكثيرة ؛ حيث صرحوا بأنفسهم أ نّه كان يلهيهم الصفق بالأسواق وغيره من الأشغال ، ويحول بينهم وبين حقائق السنّة . ۱
من النتائج التي خرج بها البحث أنّ الصحابة كانوا كثيراً ما يُخطئون في النقل ؛ فهم تارة ينقلون شطراً من الحديث ، وتارة يأخذون الحديث عن مخبر وينسبونه إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، وثالثة ينسَون ما سمعوه وقد صرّحوا بذلك ، ورابعة يخطئون في الجواب ثمّ يرجعون إلى الحقّ بتذكير الآخرين وهكذا .
كما انتهى حال الصحابة إلى أنّ مِن بينهم منافقين كما هو عليه صريح القرآن ، ومنهم من ارتدّ على عقبيه ، ومنهم من يساق إلى النار كما جاء في صريح الصحيحين ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
أ وَبعد هذا يقال إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد أسند المرجعيّة الفكريّة والقيادة السياسيّة إلى هذا الجيل ، وجعله القيّم على رسالته ، والمؤتمن على الكتاب ؟ !
على ضوء هذا كلّه لا ينبغي أن نتردّد لحظة في أنّ اُطروحة إيكال أمر المستقبل إلى الاُمّة أو نُخبها ، وقصّة إسناد المرجعيّة الفكريّة والسياسيّة إلى الصحابة ، لهي

1.صحيح البخاري : ج۶ ص۲۶۷۶ ح۶۹۲۰ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 302087
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي