115
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

راحت شائعات حركة النفاق تزحم أجواء المدينة ، وصارت أراجيفهم تحاصر عليّ بن أبي طالب ـ ليث الوغى وفارس ساحات الجهاد ـ وتنهال عليه من كلّ حدب وصوب ، فماذا هو فاعل أمير المؤمنين ؟
سرعان ما لحق برسول اللّه صلى الله عليه و آله وقصّ عليه أراجيف المنافقين، فما كان من النبيّ الأقدس إلّا أن تحدّث إلى عليّ بما يكشف عن حظوة كبيرة عند النبيّ ، ومكانة لا تُدانيها مكانة أحد من العالمين، فقال له بفيض حنان : «اِرجِع يا أخي إلى مَكانِكَ؛ فَإِنَّ المَدينَةَ لا تَصلُحُ إلّا بي أو بِكَ ؛ فَأَنتَ خَليفَتي في أهلي ودارِ هِجرَتي وقَومي ، أما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أ نَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ؟» . ۱
بصراحة لا يشوبها لبس سجّل النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ بن أبي طالب عليه السلام جميع ما له من مناصب ومواقع ومسؤوليّات ما خلا النبوّة ، وأوضح دون أدنى شائبة أنّ الإمام أمير المؤمنين هو الذي يجسّد عمليّاً ديمومة الخطّ النبوي ، وينهض بمسؤوليّات النبيّ عند غيابه ، في زعامة الاُمّة وقيادتها ، وممارسة المرجعيّة الفكريّة والعلميّة للرسالة الإسلاميّة .
تسجّل بعض النصوص التاريخيّة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله خاطب عليّاً بهذه الجملة صراحة : «إنَّهُ لابُدَّ مِن إمامٍ وأميرٍ ؛ فَأَنَا الإِمامُ ، وأنتَ الأَميرُ» . ۲

6 . أحاديث الإمارة

حثّ القرآن جميع المؤمنين ودعاهم بصراحة تامّة إلى إطاعة «اُولي الأمر» ۳ ؛ حيث جعل إطاعة هؤلاء واتّباعهم رديفاً لإطاعة اللّه وإطاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . والسؤال : من هم مصداق «اُولي الأمر» ؟ أ فيجوز أنّ نعدّ الطغاة والجبّارين المحترفين ـ الذين

1.الكافي : ج ۸ ص ۱۰۷ ح ۸۰ .

2.شرح الأخبار : ج ۲ ص ۱۹۵ .

3.إشارة إلى الآية ۵۹ من سورة النساء .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
114

وذلك انسجاماً مع صريح ما يقضي به الكلام النبوي في هذا المضمار .
لقد عبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن هذا الموقع الرفيع الذييحظى به الإمام أميرالمؤمنين بصيغ متعدّدة، مثل قوله: «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أ نَّهُ لا نَبِيَّبَعدي». ۱ كما صدع بهذه الحقيقة وأعلنها على المسلمين مرّات ومرّات ؛ ليكون بذلك قد أوضح للجميع ـ وللتاريخ أيضاً ـ مساواة عليّ ومماثلته له في القيادة . وكان من بين المواضع التي أعلن فيها النبيّ هذا الكلام المعجز حول عليّ ، غزوة تبوك .
ففي ظلّ أوضاع صعبة ومُضنية جهّز النبيّ جيشاً كبيراً ، ثمّ خرج من المدينة قاصداً أن يقاتل به الروم . لقد كانت تبوك هي أقصى نقطة قصدها رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حروبه ، وأبعدها عن المدينة جغرافيّاً . وفي المدينة حيث كان يعيش النبيّ استطاع النفاق أن يتبلور آنئذٍ في إطار حركة منظّمة ، راحت تترصّد الوضع بصدور موبوءة بالحقد والضغينة ، وتخطّط بخفاء كي تنقضّ على المجتمع الإسلامي الفتيّ بضربة قاصمة .
لقد غادر النبيّ المدينة في سفر طويل ، وهو يتوجّس خيفة من فتن المنافقين وكيد الحاقدين ، فماذا يفعل ؟ وكيف يؤمّن وضع المدينة ويطمئنّ عليها ؟ اختار صلى الله عليه و آله أن يُبقي عليّاً في المدينة ، يخلفه في أهله ، ويصون له دار هجرته ومن بقي من قومه . هكذا مضى الأمر .
وعندما رآى المنافقون والذين في قلوبهم مرض ، أنّ خطّتهم تلاشت بوجود عليّ كما تتلاشى خيوط العنكبوت، وأحلامهم ضاعت ببقاء الإمام أمير المؤمنين في المدينة ، راحوا يُرجفون بأنّ النبيّ ما ترك عليّاً في المدينة إلّا لموجدة عليه ، وأ نّه لو كان له به غرض لما خلفّه على النساء والصبيان !

1.الكافي : ج ۸ ص ۱۰۷ ح ۸۰ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 302117
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي