121
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

لقد مضت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ بعد أن تلا آية التطهير على المسلمين ـ أيّام وأشهر طويلة وهو يقف إلى جوار بيت عليّ ، وينادي إذا حضر وقت الصلاة : «الصَّلاةَ يا أهلَ البَيتِ» ۱ . على هذا ليس هناك شكّ في أنّ «أصحاب الكساء» هم مصداق «أهل البيت» ، وأنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو سيّد أهل البيت وذروة السنام فيه . إنّما الذي يحظى بأهمّية أكبر بنظرنا هو ما كان يفعله الرسول في ثنايا تركيزه على الإعداد لقيادة المستقبل ، وكجزء من برنامجه لإعلان الإمامة التي تخلفه ، إلى جوار تأكيده على التصريح بطهارة أهل البيت وعصمتهم ، وحتى بعد إعلان هذه الفضيلة راح يكرّر على الدوام قوله صلى الله عليه و آله : «أنَا حَربٌ لِمَن حارَبَكُم ، وسِلمٌ لِمَن سالَمَكُم» ۲ ، فماذا يعني هذا التكرار ، وما هو مغزاه ؟
يبدو أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كشف للاُمّة ـ من خلال تفسيره النافذ البصير لقوله سبحانه : «وَ مَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَـكَ إِلَا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْءَانِ»۳ ـ عن وجود اُسرة ستنقضّ على المجتمع الإسلامي ، وتسومه الأذى والعذاب والظلم ، وبتشبيهه حركة هذه الاُسرة بنزو القردة كشف عن هويّتها القرديّة ، وحذّر الاُمّة من أن تترك اُمور دينها تقع في يوم من الأيّام بيد رجال هذه العشيرة ، أو أن تكون قيم هذا الدين ومثله العليا لعبة بأيديهم يعبثون بها كيفما شاؤوا . على الجانب الآخر من المشهد ، حرص رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ من خلال التركيز على طرح «أهل البيت» كاُناس مطهّرين ، وثلّة معصومة نقيّة من المثالب والعيوب ـ أن يسجّل للاُمّة خطّ الإمامة المعصومة ، والقيادة النزيهة للمستقبل .
وكان لآية التطهير الدور العظيم في بيان فضائل «آل اللّه » والكشف عن مناقبهم

1.أهل البيت عليهم السلام في آية التطهير : ص۴۰ ـ ۴۵ .

2.لمزيد الاطّلاع على صيغ الحديث وطرقه راجع : أهل البيت عليهم السلام في الكتاب والسنّة : ص۱۶۵ .

3.الإسراء : ۶۰ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
120

هناك من يناقش في أصل العصمة وضرورتها ، إنّما يمكن أن يكون لبعضهم كلام في حدّها وحدودها .
أمّا عقيدة الشيعة التي تستند إلى «النصّ» على الإمامة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتركّز على أنّ الإمامة قائمة على أساس النصوص الثابتة ، فهي تؤمن بأنّ جميع خصائص رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ ما خلا النبوّة ـ تتجسّد في الإمام ، وتواصِل حضورها في خليفته من بعده ، وهي تعدّ ذلك أمراً قطعيّاً على أساس نصوص كثيرة ودلائل عقليّة وافرة نُقّحت في مظانّها .
لقد ركّز علماء الشيعة ومتكلّموهم على هذا الأصل إزاء بقيّة الفرق الإسلاميّة ، وعدّوا هذا الموقع ضرورياً لخليفة النبيّ ، وذلك في مقابل التيّارات الاُخرى في الساحة الإسلاميّة من تلك التي لم تتبنّ ضرورة النصّ ، على أنّ طبيعة هذه المواقف ، وتحليل خلفيّاتها التاريخيّة وبناها الفكريّة ، هو أمر خارج عن نطاق هذا البحث .
لكن يحسن بنا الآن أن نتوقّف مع ملاحظة سريعة ، قبل أن نواصل متابعة الجهود النبويّة لتشييد قواعد الإمامة العلويّة ، وتثبيت إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وطبيعة النهج الذي اعتمده رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعرض هذه الحقيقة ؛ فقد استند متكلّمو الشيعة ومفسّروهم منذ القدم إلى «آية التطهير» من بين ما استندوا إليه في إثبات عصمة «الأئمّة» وطهارة «أهل البيت» ، وهو استدلال متين كشف عن قوّته وإحكامه في الدراسات المختصّة بذلك . بيد أنّ ما يعنينا أمره في هذا المجال ، وله صلة وثيقة ، بل ضروريّة ببحثنا ، هو معرفة طبيعة عرض هذه المسألة ، والكيفيّة التي استند إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بيانها ، وهنا بالذات تكمن الملاحظة التي أحببنا المكوث عندها قليلاً .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 400377
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي