بدأ الخطبة ، حمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ راح يُشهدهم مرّات ومرّات على جهده الحثيث في إبلاغ الرسالة ، وما بذله لهم من النصيحة في دين اللّه ، وبجهاده العظيم في سبيل الدعوة . فشهدوا له وشهدوا ، وردّدوا ذلك بصوت واحد . كان هذا كلّه كالتمهيد ، حتى إذا ما تطلّعت النفوس والعقول مستفهمة ما وراء هذا الكلام النبوي من مغزى ، أزِفت اللحظة الموعودة ، فما كان من النبيّ إلّا أن أخذ بعضد عليّ ورفعه حتى بان بياض آباطهما ، وصدع يقول : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» .
والآن هلمّوا نُبصر المشهد ، ونتأمّل فيه عن كثب . ما الذي كان يبتغيه النبيّ بكلّ هذا التمهيد ، وفي فضاء مثل هذا تحتشد فيه الاُلوف المؤلّفة ؟ وما الذي كان يُريده من إعلان هذا الكلام وسط جوّ حارّ ملتهب يتجمهر فيه هذا الجمع العظيم ؟هل كان ما يقصده من قوله : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» هو الإعلان عن حبّ عليّ عليه السلام وحسب ؟ أ لم يتحدّث النبيّ صلى الله عليه و آله إلى الناس في أكثر من موضع من حجّته الأخيرة ؛ حَجَّة الوداع العظيمة ، عن أهل بيته ، ويركّز على مودّتهم من بين ما تحدّث به إلى المسلمين . أفتراه الآن جمع الاُلوف في هذه الرمضاء التي تشتعل النار في ترابها ، طالباً منها الإصغاء إلى كلامه ، وإلى أن يُبلّغ الشاهد الغائب ؛ لمحض أن يوصيها بحبّ عليّ !
أ يحتاج حبّ عليّ إلى وصيّة وهو سيّد المؤمنين وأميرهم والشخصيّة الخارقة في مدرسة محمّد صلى الله عليه و آله حيث لا تُضاهي مكانتها شخصيّة في هذا الدين ؟ ثمّ أ ليس المؤمنون مأمورون في كتاب اللّه بحبّ بعضهم بعضاً ، ومن ثمّ هم مأمورون بحبّ عليّ بالضرورة ؟ فهل يحتاج كلام كهذا إلى كلّ هذا التمهيد والإعداد ؟
سبق أن عرضنا أحاديث «حبّ عليّ» وقد ركّزنا هناك أيضاً إلى أ نّها تنطوي