هذه حقيقة وثّقت لها كثرة كبيرة من الروايات والأخبار بحيث لم يعد فيها أدنى شكّ . والسؤال : لقد نزلت الآية (67) وهي تحتّم على النبيّ صلى الله عليه و آله إبلاغ أمر إذا ما تخلّف عنه فكأ نّه لم يبلّغ الرسالة بالمرّة ، كما تُشير إلى أنّ ما ينبغي إبلاغه لهو من الخطورة بحيث يبعث الخيفة والتوجّس ، ويُثير خصومة المعاندين وعداوتهم ؛ فهل يتّسق هذا كلّه والزعم أنّ الآية نزلت بشأن شيء من الشرائع وبعض الحلال والحرام ! لقد كان واضحاً أنّ إبلاغ الشرائع وأحكام الحلال والحرام لا يستحقّ من النبيّ الخشية والتوجّس ، كما لا يستتبع من الآخرين المعارضة والعناد .
إنّه لأمر غريب ما ذهب إليه عدد من المفسّرين ! فعندما عجز هؤلاء عن رؤية الحقيقة ـ أو لم تكن لهم رغبة برؤيتها ـ تراهم جنحوا لمزاعم واهية وأقوال لا نصيب لها من الصواب .
إنّ أهمّية الآيتين وتحديد زمن نزولهما ، يدفعنا إلى تخصيص بحث مستقلّ لكلّ واحدة منهما .
2 . محتوى الخطبة
إنّ الطريقة التي بدأ بها النبيّ صلى الله عليه و آله خطبته ، وكيفيّة إدامتها ، والطريقة التي اختار بها عرض الموضوع ، والنسق الحماسي المؤثّر الذي شاب كلمات الرسول وذلك الإيقاع المتحرّق الأخّاذ في كلماته ، كلّ ذلك لا يدع مجالاً للشكّ في أنّ الموضوع أهمّ وأخطر بكثير ممّا تصوّره البعض .
لنبقَ مع إحدى الصيغ التاريخيّة التي توفّرت على بيان النصّ ، ثمّ نتأمّل ما فيه من إيحاءات . عن حذيفة بن أسيد ، قال :
«لَمّا قَفَلَ رَسولُ اللّهِ مِن حَجَّة الوَداع نَهى أصحابَهُ عَن شَجَراتٍ بِالبَطحاءِ مُتَقارِباتٍ أن يَنزِلوا حَولَهُنَّ ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيهِم فَصَلّى تَحتَهُنَّ ، ثُمَّ قامَ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ !