201
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَقالَ : هَنيئاً يَا بنَ أبي طالِبٍ !أصبَحتَ مَولايَ ومَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ، وهُوَ قَولُ ابنِ عَبّاسٍ وَالبَراءِ بنِ عازِبٍ ومُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ» . ۱
ثم انعطف الفخر الرازي ليقول : «وَاعلَم أنَّ هذِهِ الرِّواياتِ وإن كَثُرَت إلّا أنَّ الأَولى حَملُهُ عَلى أنَّهُ تَعالى آمَنَهُ مِن مَكرِ اليَهودِ وَالنَّصارى ، وأمَرَهُ بإِظهارِ التَّبليغِ من غَيرِ مُبالاةٍ مِنهُ بِهِم» . ۲
إنّ ما صرّح به الفخر الرازي من أنّ الروايات في هذا القول ـ الأخير ـ كثيرة ، لهو أمر ثابت وصحيح . بَيد أنّ الذي يبعث على الدهشة هو حال اُولئك المفسّرين والمحدّثين والمتكلّمين الذين لا ينصاعون إلى كلّ هذا الحشد من الروايات ، ولا يُذعنون إليه ، بل يجنحون إلى معاذير وتفسيرات لا تلتئم والواقع التاريخي ، ولا تنسجم مع شخصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو تتواءم مع سيرته الوضيئة ، وتتوافق مع خطاه الراسخة في إبلاغ الحقّ .

نزول الآية في واقعة الغدير لإبلاغ الولاية

يتّضح ممّا سلف ؛ واستناداً إلى الروايات والأخبار الكثيرة ، أنّ آية الإبلاغ نزلت في غدير خمّ للثامن عشر من ذي الحجّة عام 10 ه ، عطفا على ما كان قد صرّح به النبيّ وذكره مرّات ، وتأكيداً لما كان نزل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الوحي القرآني والبياني أكثر من مرّة .
على أنّ من الحريّ أن نؤكّد أنّ قوله سبحانه : «مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ» يشمل كلّ ما هبط على النبيّ صلى الله عليه و آله في هذا المجال ، على امتداد سنيّ الرسالة ، سواء أكان وحياً قرآنيّاً أم

1.تفسير الفخر الرازي : ج۱۲ ص۵۳ .

2.نفس المصدر .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
200

أمّا ما ذكروه من أنّ الباعث على نزول الآية هو ما كان من حراسة أبي طالب عمّ النبيّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ إذ بنزول الآية طلب النبيّ إليه أن يكفّ عن الحراسة بعد أن وعد اللّه سبحانه بعصمته وحمايته ۱ ؛ فإنّ فيه بالإضافة إلى ما تمّت الإشارة إليه في نقد الرؤية الاُولى ، أنّه يتعارض مع الواقع التاريخي الصادق . فهذا الواقع خير دليل على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ظلّ يحظى بالحراسة سنوات خاصّةً في المدينة ، وليس ثمة شاهد أقوى على ذلك من وجود «اُسطوانة الحرس» .
2 . إخفاء بعض القرآن خوفاً من المشركين !
ذكروا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان أيّام اقامته بمكّة يجاهر ببعض القرآن ، ويُخفي بعضه إشفاقاً على نفسه من أذى المشركين أو اليهود ، وخوفاً ممّا يمكن أن يوقعوه به !
وممّا يبعث على الأسف أن يلتزم بعض الناس أحياناً بأقوال واهية وبآراء لا تليق كهذه . أفيجوز مثل هذا الظنّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ ثمّ هذه حياته التي تتفجّر بالحيويّة والحركة ، وهذه سيرته كلّها مضاء وحزم وصِدام مع مظاهر الشرك والجاهليّة ، فهل تجتمع هي وهذا الظنّ الواهي ؟ وهل تستحقّ حياة نبيّ اللّه هذه الكلمات ؟ !
إنّ ما تضمّه تفاسير أهل السنّة ومجاميعها الروائيّة من أقوال ورؤى حيال الآية ، لايتعدّى ذلك الرصد الذي قدّمه الفخر الرازي للأقوال في المسألة ، وَحين نتفحّص بقيّة الأقوال التي أحصاها الرازي فهي أضعف وأكثر وهناً من الرأي الذى عرضناه قبل قليل .
أمّا آخر الأقوال فقد ذكره الفخر الرازي على النحو الآتي : «نَزَلَتِ الآيَةُ في فَضلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ولَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ أخَذَ بِيَدِهِ ، وقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ

1.الدرّ المنثور : ج۳ ص۱۱۸ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 405083
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي