221
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

دَعوني ؛ فَالَّذي أنَا فيهِ خَيرٌ مِمّا تَدعونَني إليَهِ . ۱

۱۳۴.صحيح مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس :يَومُ الخَميسِ ، وما يَومُ الخَميسِ ! !ثُمَّ جَعَلَ تَسيلُ دُموعُهُ ، حَتّى رَأَيتُ عَلى خَدَّيِه كَأَنَّها نِظامُ اللُّؤلُؤِ . قالَ : قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِيتوني بِالكَتِفِ ۲ وَالدَّواةِ أكتُب لَكُم كِتابا لَن تَضِلّوا بَعدَهُ أبَدا . فَقالوا : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَهجُرُ !!! ۳۴

1.صحيح البخاري : ج۴ ص۱۶۱۲ ح۴۱۶۸ .

2.الكَتِف : عَظْم عريض يكون في أصل كَتِف الحيوان من الناس والدَّوابّ ، كانوا يكتُبون فيه لِقِلّة القَراطِيس عِندهم (النهاية : ج۴ ص۱۵۰) .

3.صحيح مسلم : ج۳ ص۱۲۵۹ ح۲۱ .

4.تعتبر واقعة عزم الرسول صلى الله عليه و آله على كتابة الوصيّة ، ومنع الخليفة الثاني إيّاه من كتابتها، واقعة غريبة ومثيرة . فرسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي «مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى» (النجم : ۳ و ۴) قد قرّر في آخر لحظات حياته بيان بعض الاُمور للاُمّة الإسلاميّة . وحتى لو كان الرسول شخصا عاديّا كان ينبغي تلبية طلبه ذاك ، ناهيك عن أنّه أعلن بأنّ هدفه من كتابة تلك الوصيّة هو أن لا تضلّ بعده الاُمّة أبدا ، وهذا هدف يطمح إليه كلّ إنسان . المثير للدهشة في هذا المجال هو أنّ الخليفة الثاني عارض ذلك الطلب البسيط الذي ينطوي على نتيجة كبرى . وأسباب تلك المعارضة واضحة طبعا ، وصرّحت بها بعض المصادر التاريخيّة . وحتى لو لم يُشِر أيّ مصدر تاريخي إلى مراده ، فإنّ أيّ باحث منصف يدرك حقيقة الأمر من خلال وضع هذه الواقعة وواقعة السقيفة ، ووصول عمر إلى منصب الخلافة ، إلى جانب بعضها الآخر . ويستفاد من المصادر التاريخيّة بأنّ هناك فئة كانت تعاضد عمر وتؤازره في موقفه ذاك . وهذا ما يدلّ على وجود جماعة ضغط كان لها حضور حتى في المجالس الخاصّة للرسول صلى الله عليه و آله بحيث إنّ الجدل واللغط اشتدّ، وأصبحت كتابة الوصيّة غير ذات جدوى . والأدهى من كلّ ذلك هو أنّ البعض حاول إثبات صحّة عمل الخليفة ولكن على حساب الانتقاص من الرسول صلى الله عليه و آله ، فقالوا : «إنَّهُ مِن دَلائِلِ فِقهِ عُمَرَ وفَضائِلِهِ ودَقيقِ نَظَرِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَشِيَ أن يَكتُبَ صلى الله عليه و آله اُمورا رُبَّما عَجَزوا عَنها وَاستَحَقُّوا العُقوبَةَ عَلَيها ؛ لِأَنَّها مَنصوصَةٌ لا مَجالَ لِلاِجتِهادِ فيها» (شرح صحيح مسلم للنووي : ج ۱۱ ص ۹۹ هامش الحديث ۱۶۳۷) . فالرسول صلى الله عليه و آله يقول لهم : اُريد أن أكتب لكم شيئا لا تضلّوا بعده أبدا ، وهؤلاء يقولون : إنّ كتابة الرسول توجب العقاب ، ومعارضة عمر له دليل على فقهه وفضله ودقيق نظره ! ! ونظرا لهذا التعارض الصريح بين رأي الرسول صلى الله عليه و آله ورأي الخليفة الثاني ، كيف يمكن حينئذٍ تفسير هذه الإشادة بعمر ؟ ! والأعجب من ذلك هو التبرير الذي جاء به القاضي عيّاض لكلّ الواقعة ؛ إذ أنّه حرّفها عن صورتها الأصليّة ، وأوردها على نحو مقلوب ، بقوله : «أهَجَرَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ؟ هكَذا هُوَ في صَحيحِ مُسلِمٍ وغَيرِهِ : أهَجَرَ ؟ عَلى نَحوِ الاِستِفهامِ ، وهُوَ أصَحُّ مِن رِوايَةِ مَن رَوى : هَجَرَ أو يَهجُرُ ؛ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ لا يَصِحُّ مِنهُ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّ مَعنى هَجَرَ : هَذى . وإنَّما جاءَ هذا مِن قائِلِهِ استِفهاما لِلإِنكارِ عَلى مَن قالَ : لا تَكتُبوا ؛ أي لا تَترُكوا أمرَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وتَجعَلوهُ كَأَمرِ مَن هَجَرَ في كَلامِهِ ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه و آله لا يَهجُرُ ، وقَولُ عُمَرَ : حَسبُنا كِتابُ اللّه ِ ، رَدٌّ عَلى مَن نازَعَهُ ، لا عَلى أمرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله » (الشفا بتعريف حقوق المصطفى : ج ۲ ص ۱۹۴) . فهل ثمّة تحريف أوضح من هذا ؟ ومن البديهي أنّ هذا النصّ لو لم يكن موجودا في صحيحي البخاري ومسلم ، لوصل إلينا بهذا الشكل المحرّف . والبخاري وإن كان قد نقل هذا النصّ على نحوين ، إلّا أنّه أورده في الموضع الذي صرّح فيه باسم القائل بلفظة «وجع» ، وهي تتضمّن معنىً أقلّ إساءة . وفي الموضع الذي حجب فيه اسم القائل أورد الكلمة القبيحة «أهجر (نعم يمكن قراءتها بنحوين : بصيغة الاستفهام «أهَجَرَ» وبصيغة الإخبار «أهْجَرَ» فيكون فعلاً ماضياً من باب الإفعال ، وكلاهما قبيح لا يمكن نسبته للنبيّ صلى الله عليه و آله وخصوصاً الثاني منهما .)» ، والظاهر أنّها الكلمة الأصليّة . ولعلّ مصدر هذا الاختلاف هو ابن عبّاس الذي بيّن ـ بذكاء خاصّ ـ حقيقة الأمر كاملة ، ولكن على نحوين من النقل .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
220

الفصل الحادي عشر : غاية جهد النبيّ صلّي الله عليه و آله في تعيين الوليّ

أ ـ طَلَبُ الصَّحيفَةِ وَالدَّواةِ

۱۳۲.صحيح البخاري عن الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عبّاس :لَمّا حُضِرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وفِي البَيتِ رِجالٌ فيهِم عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ، قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : هَلُمَّ أكتُب لَكُم كِتابا لا تَضِلّوا بَعدَهُ . فَقالَ عُمَرُ : إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قَد غَلَبَ عَلَيهِ الوَجَعُ ! ! ! وعِندَكُمُ القُرآنُ ، حَسبُنا كِتابُ اللّهِ ! ! فَاختَلَفَ أهلُ البَيتِ فَاختَصَموا ؛ مِنهُم مَن يَقولُ : قَرِّبوا يَكتُب لَكُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله كِتابا لَن تَضِلّوا بَعدَهُ ، ومِنهُم مَن يَقولُ ما قالَ عُمَرُ . فَلَمّا أكثَرُوا اللَّغوَ وَالاِختِلافَ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قوموا .
قالَ عُبَيدُ اللّهِ : فَكانَ ابنُ عَبّاسٍ يَقولُ : إنَّ الرَّزِيَّةَ ۱ كُلَّ الرَّزِيَّةِ ما حالَ بَينَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وبَينَ أن يَكتُبَ لَهُم ذلِكَ الكِتابَ ؛ مِن اختِلافِهِم ولَغَطِهِم . ۲

۱۳۳.صحيح البخاري عن ابن عبّاس :يَومُ الخَميسِ ، وما يَومُ الخَميسِ ! ! اِشتَدَّ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَجَعُهُ ، فَقالَ : اِيتوني أكتُب لَكُم كِتابا لَن تَضِلّوا بَعدَهُ أبَدا . فَتَنازَعوا ـ ولا يَنبَغي عِندَ نَبِيٍّ تَنازُعٌ ـ فَقالوا : ما شَأنُهُ ؟ ! أهَجَرَ ۳ ؟ ! ! اِستَفهِموهُ ! ! ! فَذَهَبوا يَرُدّونَ عَلَيهِ . فَقالَ :

1.الرَّزِيّة : المُصيبة (مجمع البحرين : ج۲ ص۶۹۵) .

2.صحيح البخاري : ج۵ ص۲۱۴۶ ح۵۳۴۵ .

3.قال ابن الأثير : أهْجَرَ في مَنْطقه يُهْجِرُ إهْجارا : إذا أفْحَشَ ، وكذلك إذا أكثر الكلام فيما لا ينبغي ، والاسم : الهُجْر ، بالضم . وهَجَر يَهْجُر هَجْراً ـ بالفتح ـ : إذا خَلَط في كلامه ، وإذا هَذَى . ومنه حديث مَرضِ النبيّ صلى الله عليه و آله قالوا : « ما شأنُه؟ أهَجَرَ ؟» أي اختَلف كلامُه بسبب المرض ، على سبيل الاستفهام . أي هل تغيّر كلامه واختلط لأجل ما به من المرض ؟ وهذا أحسن ما يقال فيه . ولا يُجعل إخبارا ، فيكون إمّا من الفُحش أو الهَذَيان . والقائل كان عمر ، ولا يُظَنّ به ذلك (النهاية : ج۵ ص۲۴۵ـ۲۴۶) .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 296322
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي