225
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

على أنّ ذروة ذلك الإبلاغ وقعت في «حَجَّة الوداع» أو بتعبير آخر في «حَجَّة البلاغ» وفي غدير خمّ .
وهكذا فإنّ تأكيد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على كتابة الولاية من بعده في آخر ساعات عمره المبارك ، كان بلا شكّ يمثّل آخر جهوده ومساعيه لوضع حلّ يضمن سلامة المجتمع ، ويقي الاُمّة من الانحراف من بعده . ومن هذا المنطلق أمر الرسول صلى الله عليه و آله ـ وهو في فراش المرض، وبدنه الشريف يلتهب من شدّة الحُمّى ـ بتجهيز جيش بقيادة الشابّ اُسامة بن زيد ، وأكّد على الخروج فيه ، ولعن المتخلّفين عنه . وكان كلّما فتح عينيه سأل عن مجريات اُمور ذلك الجيش .
لكنّ العجب كلّ العجب أنّ البعض امتنع عن الالتحاق بذلك الجيش اجتهادا منهم أمام النصّ الصريح من رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وفضلاً عن ذلك اتّهموا الرسول الذي لم يكن يقول إلّا الحقّ ، ولا يتكلّم إلّا بالوحي ۱ ، بأنّه يهجر ؛ أي يهذي ! ! وهكذا بقيت كتابة الوصيّة بلا أثر ، ولم تُفلح آخر جهود الرسول صلى الله عليه و آله لإعداد الأرضيّة الكفيلة بتوطيد «حاكميّة الحقّ» .
ليس هناك أدنى شكّ في أنّ المراد من هذه الوصيّة هو التصريح بالقيادة ، والتأكيد عليها، وجلب الأنظار إلى ما جاء من إبلاغ الحقّ على مدى عشرين سنة، ونودي به في كلّ حدب وصوب ۲ .
ولكن يبقى ثمّة سؤال؛ وهو لماذا لم يصرّ الرسول صلى الله عليه و آله على كتابة الوصيّة رغم اللغط الذي أثاروه في حينها ؟ ولماذا لم يبادر إلى هذا الإجراء الأساسي مسبقا وفي أيّام صحّته ؟ ولماذا لم يُقدِم على كتابة الوصيّة رغم الاقتراح الذي قدّمه البعض

1.«وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى» النجم : ۳ و ۴ .

2.راجع : المراجعات : ص۳۵۴ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
224

بحث حول آخر قرارات النبيّ صلّي الله عليه و آله

اكتملت الفصول لهذا المبحث العظيم الذي حمل بين طيّاته آخر جهود رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، تلك الجهود الحافلة بالآلام والمشاقّ .
ونعود هنا لإلقاء نظرة اُخرى ـ عطفا على ما سبق ذكره ـ لنفصح بإيجاز عن سرّ عدم تحقّق آخر جهوده صلى الله عليه و آله .
لقد بيّنتْ هذه الفصول بكلّ جلاء بأنّ الولاية العلويّة قد واكبت الرسالة المحمّديّة في الإبلاغ والتصريح ، وأنّ الرسول حينما كان يصدح بالرسالة ، كان يجاهر أيضا بالحديث عن ديمومة الرسالة في قالب الولاية ، ويسمّي عليا «وصيّا» و«خليفة» و«وزيرا» و«صاحبا» و«رفيقا» . وإضافة إلى كلّ ذلك فإنّه كان يتحدّث عن القيادة المستقبليّة في المناسبات المختلفة بما يتناسب والظروف السياسيّة والثقافيّة التي كانت سائدة آنذاك . وكان يصف أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه الشخص الأكثر مقدرة على قيادة الاُمّة وانتشالها من تلاطم أمواج الفتن والانحرافات . وقد أوردنا هذه الحقائق في موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ۱ ، بين طيّات هذه الموسوعة استنادا إلى الكمّ الهائل من الروايات المنقولة من طريق الفريقين ، وجرى التأكيد

1.راجع : موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ج ۱ (القسم الثالث : جهود النبيّ صلى الله عليه و آله لقيادة الإمام عليّ عليه السلام ) .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 296301
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي